وهذا بخلاف الفرض السابق والذي افترضنا فيه احراز وجود موضوع الحكم في ضمن الفرد الأول وهو زيد في المثال ، غايته انّنا شككنا في مصداقيّة فرد آخر للطبيعة ، ففي مثل هذا الفرض لا شك من جهة تحقّق الفعليّة للحكم وانّ وجوب اكرام العالم فعلي وانّما الشك من جهة صحّه امتثال الوجوب باكرام العالم في ضمن الفرد الآخر وهو عمرو ، ومن هنا كان الأصل الجاري هو أصالة الاشتغال.
وبهذا يتّضح انّ التكليف إذا كان متعلّقا بالطبيعة بنحو صرف الوجود وكنّا نحرز تحقّق الفعليّة للتكليف بسبب العلم بتحقّق موضوعه في ضمن فرد من الأفراد فإنّ الأصل الجاري في الأفراد الاخرى المشكوك مصداقيتها للطبيعة هو أصالة الاشتغال.
ونكتفي بهذا المقدار ، إذ انّه كاف في اعطاء صورة شبه تفصيليّة عن معنى الشك في المكلّف به.
* * *
٤٠٤ ـ شمول الأحكام للجاهل
الظاهر انّه لم يختلف أحد من الإماميّة « أعزّهم الله تعالى » في انّ أحكام الله تعالى شاملة للعالم والجاهل ، وقد ادعي تواتر أو استفاضة الروايات على ذلك ، ولعلّ الروايات المشار اليها هي اطلاقات الأدلّة المتصدّية لبيان الأحكام ، وقد اضيف الى دليلي الإجماع والروايات دليل ثالث حاصله :
انّ الالتزام باختصاص الأحكام بالعالمين بها يلزم منه محذور عقلي لا يمكن الالتزام به ، وهو أخذ العلم بالحكم في موضوع نفس ذلك الحكم ، وهو محال ، وقد أوضحنا ذلك تحت عنوان « أخذ القطع بالحكم في موضوع نفس ذلك الحكم » فراجع.
وكيف كان فشمول الاحكام للعالم والجاهل ليس موردا للنزاع ، ومن هنا كانت الأمارات والاصول العمليّة مصيبة تارة للواقع ومخطئة تارة اخرى ، خلافا لمذهب الأشاعرة