وهناك مبنى رابع ذهب اليه مشهور فلاسفة المسلمين ، وهو انّ الحسن والقبح ليسا من مدركات العقل العملي ، وهذا معناه انّهما ليسا من الصفات الذاتيّة للأفعال وانّما هما من القضايا المشهورة المعبّر عنها بالآراء المحمودة ، فالحسن هو ما تبانى العقلاء على حسنه ، كما انّ القبيح هو ما تبانى العقلاء على قبحه. وهذا يرتبط بنكات عقلائيّة تختلف باختلاف الأنظمة الاجتماعيّة والظروف الموضوعيّة.
وبهذا المعنى يكون الحسن والقبح من الصفات الاعتباريّة للأفعال والتي ليس لها واقع وراء اعتبار العقلاء ، وهذا المعنى لا يختلف عن مبنى الأشاعرة إلاّ من حيث المعتبر ، فالمعتبر بنظر مشهور فلاسفة المسلمين هم العقلاء ، وأمّا بنظر الأشاعرة فالمعتبر هو الشارع المقدّس.
* * *
٢٩٠ ـ الحسن والقبح الذاتيان
المراد من ذاتيّة الحسن والقبح انّهما من الصفات الواقعيّة لمتعلّقاتهما ، بمعنى انّ الحسن والقبح ينشئان عن مقام الذات لبعض الأفعال.
والمقصود من الذاتيّة في المقام هو الذاتي في باب البرهان لا الذاتي في باب الكليّات الخمس ، بمعنى انّ الحسن ـ مثلا ـ ليس هو عين الفعل المتّصف به ، كما انّه ليس جزؤه المقوم بل بمعنى انّ وجود ذات الفعل كاف في اتّصافه بالحسن ، وهذا هو الذاتي في باب البرهان.
وهذه الدعوى هي مبنى مشهور الاصوليين إذا أضفنا اليها انّ ذاتيّة الحسن والقبح للأفعال مدركه بواسطة العقل العملي. ولكي تتجلّى هذه الدعوى أكثر نقول انّهم قسموا الأفعال الى ثلاثة أقسام :
القسم الأوّل : أن يكون الفعل علّة تامّة في عروض صفة الحسن والقبح عليه ، بمعنى أن لا يكون هناك عنوان آخر غير ذات الفعل يساهم في ثبوت صفة الحسن والقبح للفعل ، كما انّه ليس ثمّة مانع يمنع عن اتّصاف الفعل