يتّصف بأحدهما بواسطة خارجيّة في الثبوت ، بمعنى انّ الفعل لو خلّي وذاته لا يكون علّة لأن يتّصف بالحسن أو القبح كما لا يكون مقتضيا لذلك إلاّ انّه قد تطرأ على هذا الفعل بعض العناوين فتؤثر في اتّصافه بالحسن أو القبح إمّا بنحو التأثير الاقتضائي أو بنحو التأثير العلّي.
ومثال هذا القسم من الأفعال شرب الماء ، فهو بذاته لا يؤثر في أن يتّصف بالحسن أو القبح إلاّ انّه قد يطرأ عليه عنوان يقتضي اتّصافه بالقبح ، كما لو كان الشرب معصية لمن له حقّ الطاعة ، فطرو عنوان المعصية على شرب الماء صار واسطة في ثبوت صفة القبح له.
وباتّضاح الأقسام الثلاثة يتّضح انّ ذاتيّة الحسن والقبح انّما هو للقسم الأوّل من الأفعال ، وبه يتّضح انّ دعوى مشهور الاصوليّين انّما هي ثبوت الحسن والقبح الذاتيّين بنحو الموجبة الجزئيّة في مقابل السلب الكلّي المدعى من قبل الأشاعرة ومشهور فلاسفة المسلمين القائلين بأنّ الحسن والقبح من القضايا المشهورة المعبّر عنها بالآراء المحمودة والتأديبات الصلاحيّة.
* * *
٢٩١ ـ الحسن والقبح العقلائيّان
قلنا انّ مشهور فلاسفة المسلمين أنكروا انّ صفتي الحسن والقبح من الصفات الذاتيّة والواقعيّة للأفعال ، وقالوا انّ منشأ اتّصاف بعض الأفعال بالحسن والقبح انّما هو التباني العقلائي وبهذا تكون صفتا الحسن والقبح من الصفات الاعتباريّة والتي ليس وراء اعتبار العقلاء لها واقع.
وبهذا يكون مبنى مشهور الفلاسفة مشابه الى حدّ كبير لمبنى الاشاعرة ، إذ انّ الأشاعرة أيضا يبنون على انّ الحسن والقبح من الصفات الاعتباريّة التي ليس لها واقع وراء اعتبار المعتبر ، غايته انّ المعتبر ـ بصيغة الفاعل ـ بنظر الأشاعرة هو الشارع وأمّا بنظر مشهور الفلاسفة فالمعتبر هم العقلاء.