صوابية هذه القاعدة بما حاصله : انّ التكليف الإلزامي ما دام مجهولا لا مقتضي للانبعاث نحو امتثاله ، إذ الباعث نحو امتثال التكليف انّما هو التكليف بوجوده العلمي لا بوجوده الواقعي ، بمعنى انّ وجود التكليف في نفس الأمر والواقع لا يقتضي التحريك والبعث نحو امتثاله ، والذي يقتضي ذلك انّما هو العلم بالتكليف ، كما هو شأن سائر المنجّزات العقلائيّة مثل الأخطار ، فإنّها انّما توجب التحفّظ عن الوقوع فيها إذا كانت معلومة ، أمّا لو كان الخطر موجودا إلاّ انّه غير معلوم فإنّه لا يكون ثمّة مقتض للفرار منه والتحفّظ عن الوقوع فيه بل قد يقع في الخطر عن محض اختيار بتوهّم صلاحه وفائدته ، وهذا ما يكشف عن انّ الوجود الواقعي للخطر ليس موجبا للتحفّظ عنه وانّما الموجب لذلك هو العلم به ، ولهذا تجد الإنسان العاقل واقفا لا يحرّك ساكنا والذئب من ورائه وما ذلك إلاّ لعدم علمه بوجوده ، وذلك ما يعبّر عن انّ المحرّك للانبعاث أو الانزجار انّما هو العلم وليس الوجود الواقعي ، واذا كان كذلك فالتكليف لمّا كان مجهولا فلا شيء يقتضي التحرك والانبعاث نحو امتثاله.
وبتعبير آخر : امتثال التكليف لمّا كان من الأفعال الاختياريّة فهذا ما يقتضي نشوؤه عن الإرادة ، ومن الواضح تقوّم الإرادة بالعلم ، فمع افتراض عدم العلم لا يكون ثمّة محرّك وإرادة نحو امتثال التكليف ، وحينئذ تكون إدانته على ترك امتثال التكليف إدانة على ترك تكليف لم يكن ما يقتضي التحرّك عنه وهو قبيح.
* * *
٤٧٣ ـ القبح الفعلي والقبح الفاعلي
ذهب المحقّق النائيني رحمهالله الى انّ قبح التجرّي قبح فاعلي لا قبح فعلي ، وللفرق بين القبح الفعلي والقبح الفاعلي عدّة احتمالات :
الاحتمال الأوّل : انّ الفعل إذا قبيحا في نفسه وبعنوانه الأوّلي فقبحه