والحكم الإنشائي بهذا المعنى هو الذي ينشأ عن ملاك في متعلقه ، فحينما يقال : انّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها يكون المقصود من الأحكام هو الأحكام الإنشائيّة ، وقد أوضحنا كلّ ذلك تحت عنواني « الجعل الشرعي » و « شرائط الجعل والمجعول ».
* * *
٣٠٠ ـ الحكم الأولي
المراد من الحكم الأولي هو ما يثبت لموضوعه ابتداء وبقطع النظر عمّا يطرأ على الموضوع من عوارض تقتضي تبدّل الحكم الأولي بنحو يتناسب مع العنوان الطارئ على الموضوع ، فأكل الميتة ـ وبقطع النظر عن الاضطرار الى أكلها ـ حرام ، كما انّ الطهارة المائيّة ـ وبقطع النظر عن الحرج والضرر ـ شرط في صحّة الصلاة ، كما انّ الزواج ـ وبقطع النظر عن خوف الوقوع في المعصية ـ مستحبّ ، وهكذا.
ولعلّ منشأ التعبير عن هذا النحو من الأحكام الواقعيّة بالحكم الاولي هو انّه يثبت لموضوعه أوّلا وبالذات ، ويكون ثبوت حكم آخر لذات الموضوع منوطا بعروض عنوان اضافي عليه. وبهذا يقع التمييز بين تبدل الحكم الاولي الى حكم ثانوي وبين تفاوت الاحكام بتفاوت موضوعاتها.
فإنّ الاول معناه ثبوت الحكم لموضوعه ابتداء وبقطع النظر عمّا يطرؤه من عناوين ومع طرو العنوان يتبدل الحكم الاولي الى حكم يتناسب مع العنوان الطارئ ، وهذا ما يعني انّ العلاقة بين الحكمين طوليّة.
وأمّا الثاني فليس كذلك ، إذ ليس بينهما طوليّة وانّما هي أحكام تتفاوت بتفاوت القيود والحيثيّات المقرّرة من قبل الشارع ، فهي أحكام واقعيّة أوليّة ثابتة لموضوعاتها ابتداء وفي عرض واحد ، وتباينها ناشئ عن تباين الحيثيّات والقيود الملحوظة حين جعل الحكم لموضوعه المقدّر الوجود.
فالعصير العنبي غير المغلي حلال