فالمعنى الذي وضع الواضع اللفظ للدلالة عليه إذا شابهه معنى آخر تكون هذه المشابهة مبرّرة لاستعمال ذلك اللفظ الذي وضع للمعنى المشابه ـ بفتح الباء ـ في المعنى المشابه ـ بكسر الباء ـ وذلك مثل استعمال لفظ السواد للتعبير عن الكراهة وعبوس الوجه ، فإنّ لفظ السواد لم يوضع لذلك وإنما وضع للون من الألوان ، ولكن المشابهة بين معنى لفظ السواد ـ وهو اللون الخاصّ ـ وبين الكراهة وعبوس الوجه سوّغ استعماله في المعنى المشابه للمعنى الموضوع له لفظ السواد ، قال الله تعالى : ( وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ).
ومع اتّضاح هذه المقدّمة نقول : إنّ الوضع يحدث علاقة بين المعنى وبين اللفظ الموضوع للدلالة عليه ، وهذه العلاقة توجب تصوّر المعنى بمجرّد إطلاق اللفظ. ولمّا كان لهذا المعنى ما يشابهه من معان أخرى ـ بحيث تكون هذه المشابهة نحو علاقة موجبة للتقارن في الذهن ـ هذه المشابهة تكون مبرّرا لاستعمال اللفظ في المعنى الآخر المشابه للمعنى الموضوع له اللفظ ، فيكون الاقتران الذهني بين المعنى الموضوع له اللفظ والمعنى المشابه له محقّقا للاقتران بين اللفظ المقترن بمعناه الحقيقي وبين المعنى المشابه والذي هو المعنى المجازي.
وبعبارة أخرى : المشابهة بين معنى ومعنى آخر تولّد اقترانا بين اللفظ الذي هو للمعنى الأوّل وبين المعنى الثاني فتكون المشابهة سببا في نشوء علاقة بين اللفظ والمعنى الثاني إلاّ أنّ هذه العلاقة ليست في استيثاقها واستحكامها كالعلاقة الواقعة بين اللفظ والمعنى الأوّل الموضوع له ذلك اللفظ ، فلذلك عند ما يطلق اللفظ يكون المنسبق منه إلى الذهن هو المعنى الأوّل ، بل إنّ استحكام العلاقة بين المعنى واللفظ الموضوع لذلك المعنى توجب انسباق المعنى الأوّل من اللفظ حتّى في موارد العلم بعدم إرادته وقد بيّنّا ذلك في محلّه.
إذن العلاقة بين اللفظ والمعنى