وعليه يكون المراد من المعاني الاسميّة هو المدلولات المستفادة من الموادّ الموضوعة للمعاني الاستقلاليّة.
وهذا المقدار الذي ذكرناه لم يقع موردا للخلاف بين الأصوليّين كما لم يختلفوا في عدم استقلاليّة المعنى الحرفي وإنّما وقع الخلاف بينهم فيما يتّصل بتحديد المراد من عدم استقلاليّة المعنى الحرفي ، وتوجد لذلك مجموعة من الاتّجاهات نذكر بعضها :
الاتّجاه الأوّل : إنّ المعاني الحرفيّة إيجاديّة بخلاف المعاني الاسميّة فإنّها إخطاريّة ، وقد أوضحنا ذلك تحت عنواني إخطاريّة المعاني الاسميّة وإيجاديّة المعاني الحرفيّة.
الاتّجاه الثاني : إنّ عدم استقلاليّة المعاني الحرفيّة إنّما هو من جهة الاستعمال ، بمعنى أنّ الواضع اعتبر في صحّة استعمال الحرف أن يكون المعنى ـ الذي يراد استعمال الحرف لإفادته ـ ملحوظا باللحاظ الآلي ، وذلك بخلاف المعنى الاسمي فإنّ الواضع اعتبر في استعماله أن يكون لحاظ المعنى استقلاليّا.
فالحرف والاسم المماثل له كلاهما وضعا لمعنى واحد ومتطابق ليس بينهما أدنى اختلاف ، فكما أنّ لفظ ( ابتداء ) وضع لإفادة مفهوم الابتداء فكذلك لفظ ( من ) وضعت لإفادة هذا المفهوم ، غايته أنّ الواضع اشترط في صحّة استعمال لفظ ( الابتداء ) أن يكون المستعمل قد لاحظ الابتداء مستقلاّ ، فإذا كان كذلك فله أن يستعمل لفظ ( الابتداء ) لإفادة معناه ، أمّا إذا استعمل لفظ ( من ) فإنّ هذا الاستعمال لا يصحّ منه إلاّ أن يكون قد لاحظ معنى الابتداء لحاظا آليّا.
ففي المقام الأوّل له أن يقول : « ابتداء المسير كان من البصرة » ، لأنّ تصوّر معنى الابتداء مستقلّ فساغ له استعمال لفظ ( الابتداء ).
وفي المقام الثاني له أن يقول : « سرت من البصرة » وذلك لأنّه تصوّر معنى الابتداء آلة ورابطا بين السير والبصرة ، لذلك ساغ له استعمال لفظ ( من ).