وبذلك يتّضح أنّ الاستقلاليّة والآليّة ليستا دخيلتين في المعنى الموضوع له الاسم والحرف ، نعم لحاظ الاستقلاليّة والآليّة شرط في صحّة الاستعمال.
الاتّجاه الثالث : إنّ عدم استقلاليّة المعاني الحرفيّة نشأ عن أنّ الواضع وضعها لتكون علامة على بعض الخصوصيّات المرتبطة بمدخولها فهي أشبه شيء بالحركات الإعرابيّة الموضوعة علامة على موقع الكلمة من الحدث والمبدأ المنتسب إليها ، فكما أنّ الضمّة المرسومة على الاسم موضوعة لتكون علامة على انتساب الحدث للاسم نسبة صدور أو نسبة قيام ( فاعليّة ) فكذلك حرف ( من ) ـ في قولنا سرت من البصرة ـ موضوع علامة على إرادة خصوصيّة تعلّقت بمدخول من ( البصرة ) هذه الخصوصيّة هي أنّها كانت مبتدأ بها.
فحرف ( من ) ليست موضوعا لإفادة مفهوم الابتداء وإنّما هو موضع ليكون علامة على خصوصيّة في ( البصرة ) وهي أنّها مبتدأ بها.
الاتّجاه الرابع : إنّ عدم استقلاليّة المعاني الحرفيّة نشأ عن أنّها موضوعة للنسب الربطيّة ، أي أنّها موضوعة لواقع النسبة بالحمل الشائع.
فلفظ ( في ) مثلا وضعت لتحقيق نحو من الربط بين طرفيها فيكون الطرفان بواسطة هذا الربط أحدهما مظروفا والآخر ظرفا.
وقد أوضحنا هذا الاتّجاه مفصّلا تحت عنوان النسبة ويمكن الاستعانة على فهمه من ملاحظة عنوان الوجود الرابط والوجود الرابطي.
* * *
٥٤٢ ـ المعقولات الأوليّة
المراد من المعقولات هي المعاني أو قل المفاهيم الكليّة والتي يكون وعاؤها الذهن ، وهي تنقسم الى قسمين ، المعقولات الاوليّة والمعقولات الثانية ، والقسم الثاني ينقسم الى قسمين ، الأوّل معقولات ثانية منطقيّة ، والثانية معقولات ثانية فلسفيّة.