السابق نشأت عن خلوّ الواقع عن المصلحة والمفسدة ، وأمّا الإباحة في هذا الفرض فنشأت عن مصلحة صادفت الفعل وهي مصلحة التسهيل ، وهذا ما صحّح تصنيفها في الأحكام ذات الملاك الاقتضائي.
* * *
٥٧١ ـ الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع
الظاهر من كلمات المحقّق النائيني رحمهالله وغيره من الأعلام انّ مورد القاعدة هو الملازمة بين المدركات العقليّة العمليّة وبين حكم الشرع أو قل الملازمة بين المستقلاّت العقليّة بالمعنى المشهور وبين حكم الشرع ، فحكم العقل بحسن شيء أو بقبح شيء هل يلزم منه عقلا حكم الشارع على طبق ما أدركه العقل أو لا؟
إلاّ انّ المستظهر من بعض كلمات صاحب الفصول رحمهالله المنكر للملازمة انّ محلّ النزاع أوسع من ذلك وانّه يشمل حالات إدراك العقل للمصالح والمفاسد ، بمعنى انّ إدراك العقل لاشتمال شيء على مصلحة أو مفسدة هل يلزم منه عقلا ثبوت الحكم الشرعي على طبق ما أدركه العقل.
إذ انّ العقل حين يدرك المصلحة يدرك معه الوجوب العقلي ، وحينئذ نبحث عن ثبوت الملازمة بين هذا المدرك العقلي وبين الحكم الشرعي إلاّ أن يكون مراد صاحب الفصول هو انكار الصغرى ، أي انكار أهليّة العقل لإدراك المصالح والمفاسد التامّة ، وهو ليس ببعيد عن كلماته رحمهالله.
كما انّه يمكن أن يقال انّ هذا المورد خارج عن محلّ البحث باعتبار انّ إدراك المصالح والمفاسد التامّة يكون منتجا لإدراك الحكم الشرعي ابتداء ودون الحاجة لتوسيط الملازمة ، فعند ما يدرك العقل اشتمال فعل على مصلحة تامّة يكون ذلك موجبا لإدراك تعلّق الحكم الشرعي بذلك الفعل ، فالمدرك هو كبرى عليّة المصالح والمفاسد للأحكام الشرعيّة