وحتى يتبلور المراد من النسخ نقول : انّ للحكم المجعول في الشريعة مرتبتان :
المرتبة الاولى : ويعبّر عنها بمرتبة الجعل والتشريع ، وهي عبارة عن جعل الحكم على موضوعه المقدّر الوجود على نهج القضايا الحقيقيّة ، ومعنى ذلك افتراض الموضوع ثمّ جعل الحكم عليه ، وهذا يقتضي عدم اناطة ثبوت الحكم لموضوعه بوجود الموضوع خارجا كما أوضحنا ذلك في محلّه.
فحينما يقال : « انّ السارق تقطع يده » و « انّ المستطيع يجب عليه الحجّ » لا يلزم من ذلك وجود السارق والمستطيع خارجا بل انّ معنى ذلك هو انّه لو اتّفق تحقّق وجود السارق خارجا فإنّ الحكم الثابت عليه شرعا هو ان تقطع يده وهكذا الكلام في القضيّة الثانية.
المرتبة الثانية : ويعبّر عنها بمرتبة المجعول والفعليّة ، وهي منوطة بتحقّق الموضوع خارجا ، بمعنى انّه لو اتّفق تحقّق الموضوع خارجا فإنّ الحكم الثابت في مرتبة الجعل يكون فعليا في هذه المرحلة ، فلو اتّفق وجود المستطيع فإنّ وجوب الحجّ يكون فعليا في حقّه ، ومن هنا يكون تحقّق الموضوع خارجا بمثابة العلّة لتحقّق الفعليّة للحكم.
وباتّضاح هذه المقدّمة يتّضح انّ النسخ لا يكون من قبيل انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ، بمعنى انّ انتفاء وجوب الحجّ لعدم وجود المستطيع خارجا لا يكون من النسخ كما انّ ارتفاع وجوب أداء الصلاة بانتهاء وقتها لا يكون من النسخ ، وذلك لأنّ فعليّة الحكم من أوّل الأمر كانت منوطة بتحقّق الموضوع خارجا.
وبهذا يتقرّر انّ النسخ انّما هو بمعنى رفع الحكم في مرتبة الجعل والتشريع حتى مع افتراض تحقّق الموضوع خارجا كما لو رفع المولى جلّ وعلا وجوب الحجّ عن العباد حتى لو اتّفق وجود المستطيع.
ثمّ انّ الظاهر عدم الخلاف بين