٥٨٩ ـ النهي
المشهور انّ النهي بمادّته وصيغته يدلّ على الطلب كما هو الحال في مادّة الأمر وصيغته ، غايته انّ متعلّق الأمر هو الفعل وأمّا متعلّق النهي فهو ترك الفعل فالأمر هو طلب الفعل والنهي معناه طلب ترك الفعل.
ومن هنا يكون الفرق بين الأمر والنهي انّما هو من جهة المتعلّق وإلاّ فكلاهما موضوعان لمعنى واحد وهو الطلب والمائز بينهما هو انّ الأمر معناه طلب ايجاد الفعل ومعنى النهي هو طلب اعدام الفعل ، فحينما يقال : « لا تكذب » فإنّ معناه طلب اعدام طبيعة الكذب.
وقد أورد على هذا المبنى بايراد معروف ، حاصله : انّ من المستحيل أن يكون متعلّق النهي هو طلب الترك ، وذلك لأنّ التكليف منوط بالاختيار والقدرة على الامتثال ، ومن الواضح انّ ترك الفعل والذي يعني اعدامه خارج عن قدرة المكلّف ، إذ انّ انعدام الفعل ثابت من الأزل فلا يكون اعدامه داخلا تحت القدرة ، إذ لا قدرة على التأثير في المعدوم من جهة تحصيل اعدامه ـ اذا صحّ التعبير ـ نعم لو كان ثمّة شيء موجودا فعلا لكان طلب اعدامه ممكنا وأمّا اعدام ما هو معدوم فهو مستحيل ، وبذلك يتّضح فساد المبنى ، فدعوى انّ معنى النهي هو طلب ترك الفعل يساوق طلب اعدام المعدوم.
فعند ما يكون النهي هو ترك الكذب فإنّ هذا معناه طلب ما هو ثابت من الأزل ، إذ انّ ترك الكذب ثابت من أوّل الأمر ، فحتّى لو كذب المكلّف كذبة فإنّ النهي لا يكون متعلقا بترك هذه الكذبة ، إذ انّها وجدت فلا يتعلّق النهي باعدامها وانّما يتعلّق باعدام ما لم يوجد من أفراد الكذب ، وهذا هو طلب اعدام المعدوم.
وقد اجيب عن هذا الإشكال بأنّ طلب ترك الفعل والذي هو ثابت من الأزل لا يلزم منه طلب اعدام