الجماد والنبات يقبل صورة أشرف من صورتهما وعرفوا النفس الحيوانية بأنها كمال أول لجسم طبيعي آلي من جهة ما يدرك الجزئيات ويتحرك بالإرادة ولها قوتان مدركة ومحركة أما المدركة فهي إما في الظاهر أو في الباطن أما التي في الظاهر فهي خمس بحكم الاستقراء وقيل لأن الطبيعة لا تنتقل من درجة الحيوانية إلى درجة فوقها إلا وقد استكملت جميع ما في تلك المرتبة فلو كان في الإمكان حس آخر لكان حاصلا للإنسان فلما لم يحصل علمنا أن الحواس منحصرة في الخمس.
فمنها السمع وهو قوة مودعة في العصب المفروش في مقعر الصماخ ويتوقف على وصول الهواء المنضغط بين القارع والمقروع و (١) القالع والمقلوع مع مقاومة المتكيف بكيفية الصوت المعلول لتموج ذلك الهواء إلى الصماخ وليس مرادهم بوصوله ما هو المتبادر منه بل إن ذلك الهواء بتموجه يموج الهواء المجاور له ويكفيه بالصوت ثم يتموج المجاور لهذا المجاور وهكذا إلى أن يتموج الهواء الراكد في الصماخ وقيل لا ينحصر المتوسط في الهواء بل كل جسم سيال كالماء أيضا.
ومنها البصر وهو قوة مودعة في ملتقى العصبتين المجوفتين النابتتين من غور البطنين المقدمين من الدماغ يتيامن النابت منهما يسارا ويتياسر النابت منهما يمينا فيلتقيان ويصير تجويفهما واحدا ثم ينعطف النابت منهما يمينا إلى الحدقة اليمنى والنابت منهما يسارا إلى الحدقة اليسرى ويسمى الملتقى بمجمع النور.
والفلاسفة اختلفوا في كيفية الإبصار فالطبيعيون منهم ذهبوا إلى أنه بانطباع شبح المرئي في جزء من الرطوبة الجليدية التي هي بمنزلة البرد والجمد في الصقالة المرآتية فإذا قابلها متلون مستنير انطبع مثل صورته فيها كما ينطبع صورة الإنسان في المرآة لا بأن ينفصل من المتلون شيء ويميل إلى العين بل بأن يحدث مثل صورته في عين الناظر ويكون استعداد حصوله بالمقابلة المخصوصة مع توسط الهواء المشف.
__________________
(١) أو ( خ ).