والزرّاد صانعها ـ انتهى ـ فشبّهوا اتّصال بطون الدماغ بعضها ببعض وتداخلها بالدروع ونسجها .
قال في القانون : للدماغ في طوله ثلاثة بطون ، وإن كان كلّ بطن في عرضه ذا جزئين ، والجزء المقدّم محسوس الانفصال إلى جزئين يمنة ويسرة . وهذا الجزء يعين على الاستنشاق ، وعلى نفض الفضل بالعطاس ، وعلى توزيع أكثر الروح الحسّاس وعلى أفعال القوى المتصوّرة من قوى الإدراك الباطن .
وأمّا البطن المؤخّر فهو أيضاً عظيم ، لأنّه يملأ تجويف عضو عظيم ، ولأنّه مبدء شيء عظيم أعني النخاع ومنه يتوزَّع أكثر الروح المتحرّكة . وهناك أفعال القوّة الحافظة ، لكنّه أصغر من المقدّم بل كلُّ واحد من بطني المقدّم ، ومع ذلك فإنّه يتصغّر تصغّراً مدرّجاً إلى النخاع ، ويتكاثف تكاثفا إلى الصلابة .
فأمّا البطن الوسط فإنّه كمنفذ من الجزء المقدّم إلى الجزء المؤخّر ، كدهليز مضروب بينهما . وقد عظم لذلك ، وطوّل لأنّه مؤدّ من عظيم إلى عظيم ، وبه يتّصل الروح المقدّم بالروح المؤخّر ، ويتأدّى أيضاً الأشباح المتذكّرة . ويتسقّف مبدأ هذا البطن الأوسط بسقف كريّ الباطن كالأزج (١) ـ ويسمّى به ـ ليكون منفذاً ، ومع ذلك مبتعداً بتدويره عن الآفات ، وقويّاً على حمل ما يعتمد عليه من الحجاب المدرج .
وهناك يجتمع بطنا الدماغ المقدّمان اجتماعاً يتراءيان للمؤخّر في هذا المنفذ وذلك الموضع يسمّى « مجمع البطنين » وهذا المنفذ نفسه بطن . ولمّا كان منفذاً يؤدّي التصوّر إلى الحفظ كان أحسن موضع للفكر والتخيّل على ما علمت . ويستدلّ على أنّ هذه البطون مواضع قوى تصدر عنها هذه الأفعال من جهة ما يعرض لها من الآفات ، فيبطل مع آفة كلّ جزء فعله ، أو يدخله خلافه .
والغشاء الرقيق يستبطن بعضه فيغشى بطون الدماغ إلى « القمحدوة » (٢) الّتي
__________________
(١) الازج ـ محركة بيت يبنى طولا .
(٢) القمحدوة : الهنة الناشزة فوق القفا وأعلى القذال خلف الاذنين .