ما دق ولطف ومنه سحرت الصبي خدعته واستملته فكل من استمال شيئا فقد سحره ومنه إطلاق الشعراء سحر العيون لاستمالتها النفوس ومنه قول الأطباء الطبيعة ساحرة ومنه قوله تعالى « بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ » (١) أي مصروفون عن المعرفة ومنه حديث : إن من البيان لسحرا.
الثاني ما يقع بخداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعبد من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى « يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى » (٢) وقوله تعالى « سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ » (٣) ومن هناك سموا موسى عليهالسلام ساحرا وقد يستعان في ذلك بما يكون فيه خاصية كحجر المغناطيس.
الثالث ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى « وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ » (٤).
الرابع ما يحصل بمخاطبة الكواكب واشتراك روحانياتها بزعمهم قال ابن حزم ومنه ما يؤخذ من الطلسمات كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر في العقرب فينفع من لدغة العقرب وقد يجمع بعضهم بين الأمرين الاستعانة بالشياطين ومخاطبة الكواكب فيكون ذلك أقوى بزعمهم.
ثم السحر يطلق ويراد به الآلة التي يسحر بها ويطلق ويراد به فعل الساحر والآلة تارة تكون معنى من المعاني فقط كالرقى والنفث وتارة تكون من المحسوسات كتصوير صورة على صورة المسحور وتارة يجمع الأمرين الحسي والمعنوي وهو أبلغ.
واختلف في السحر فقيل هو تخييل فقط ولا حقيقة له وقال النووي والصحيح أن له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء ويدل عليه الكتاب والسنة
__________________
(١) الحجر : ١٥.
(٢) طه : ٦٦.
(٣) الأعراف : ١١٦.
(٤) البقرة : ١٠٢.