كذلك أو يكون منقولا عن معناه في اللغة ، والثاني باطل لان أكثر الالفاظ تكرارا في القرآن وكلام الرسول صلىاللهعليهوآله لفظ الايمان ، فلو كان منقولا عن معناه اللغوي لوجب أن يكون حاله كحال سائر العبادات الظاهرة في وجوب العلم به ، فلما لم يكن كذلك علمنا أنه باق على وضع اللغة.
إذا ثبت هذه فنقول : ذلك التصديق إما أن يكون هو التصديق القلبي أو اللساني ، أو مجموعهما ، والاول باطل لقوله تعالى « فلما جاءهم ماعرفوا كفروا به » (١) فأثبت لهم المعرفة مع أنه حكم بكفرهم ، ولو كان مجرد المعرفة إيمانا لما صح ذلك ، وأيضا قوله تعالى « فلما جائتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا » (٢) ولايصح أن يكون جحدهم لها بقلوبهم حيث أثبت لهم الاستيقان بها ، فلابد أن يكون بألسنتهم حيث لم يقروابها وإذا كان الجحد باللسان موجبا للكفر كان الاقرار به مع التصديق القلبي موجبا للايمان ، فيكون الاقرار من محققات الايمان ، وأيضا قوله تعالى حكاية عن موسى على نبينا وآله وعليهالسلام إذ يقول لفرعون « لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والارض » (٣) فأثبت كونه عالما بأن الله تعالى هو الذي أنزل الايات التي جاء بها موسى عليهالسلام فلو كان مجرد العلم هو الايمان لكان فرعون مؤمنا وهو باطل بنص القرآن العزيز ، وإجماع الانبياء عليهمالسلام من لدن موسى عليهالسلام إلى محمد صلىاللهعليهوآله وأيضا قوله تعالى « فانهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون » (٤) ومعنى ذلك والله أعلم أنهم يجحدون ذلك بألسنتهم ولا يكذبونك بقلوبهم أي يعلمون نبوتك ، ولا يستقيم أن يكون المعنى لايكذبونك بألسنتهم لمنافاة يجحدون
____________________
(١) ألبقرة : ٨٩.
(٢) النمل : ١٤ ، وفى نسخة الكمبانى بين صدر الاية وذيلها تقديم وتأخير ، والظاهر أن النساخ نقلوا السقط من الهامش إلى المتن في غير موضعه.
(٣) اسرى : ١٠٢.
(٤) الانعام : ٣٣.