نعمة إلا نعم الدنيا ، وإنما يكون كذلك من لا يوقن بالآخرة ومن لم يوقن بالآخرة قصر عمله ، وإذ ليس له من الدنيا إلا قليل بزعمه مع شدة طعمه في الدنيا وزينتها فقد دنى عذابه ، نعوذ بالله من ذلك ، ومنشأ ذلك كله الجهل وضعف الايمان وأيضا لما كان عمل أكثر الناس على قدر ما يرون من نعم الله عليه عاجلا وآجلا لا جرم من لم ير من النعم عليه إلا القليل ، فلا يصدر عنه من العمل إلا قليل وهذا يوجب قصور العمل ودنو العذاب.
٣ ـ كا : عن العدة ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن منصور بن العباس عن سعيد بن جناح ، عن عثمان بن سعيد ، عن عبدالحميد بن علي الكوفي ، عن مهاجر الاسدي ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : مر عيسى بن مريم عليهالسلام على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها فقال : أما إنهم لم يموتوا إلا بسخطة ، ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا فقال الحواريون : يا روح الله وكلمته ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها.
فدعا عيسى عليهالسلام ربه فنودي من الجو أن نادهم ، فقام عيسى عليهالسلام بالليل على شرف من الارض فقال : يا أهل هذه القرية فأجابه منهم مجيب لبيك يا روح وكلمته ، فقال : ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال : عبادة الطاغوت وحب الدنيا ، مع خوف قليل ، وأمل بعيد ، في غفلة ولهو ولعب ، فقال : كيف كان حبكم للدنيا؟ قال : كحب الصبي لامه ، إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا ، وإذا ادبرت عنا بكينا وحزنا ، قال : كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟ قال : الطاعة لاهل المعاصي ، قال : كيف كانت عاقبة أمركم؟ قال : بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية ، فقال : وما الهاوية؟ قال : سجين ، قال : وما سجين؟ قال : جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة قال : فما قلتم وما قيل لكم؟ قال : قلنا ردنا إلى الدنيا فنزهد فيها ، قيل لنا : كذبتم قال : ويحك كيف لم يكلمني غيرك من بينهم؟ قال : يا روح الله وكلمته إنهم ملجمون بلجام من نار ، بأيدي ملائكة غلاظ شداد ، وإني كنت فيهم ولم أكن عنهم ، فلما نزل العذاب عمني معهم ، فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم ، لا ادري أكبكب فيها