كما أن ويل كلمة عذاب وبعض اللغويين يستعمل كلا منهما مكان الاخرى والطاغوت فلعوت من الطغيان ، وهو تجاوز الحد ، وأصله طغيوت فقدموا لامه على عينه ، على خلاف القياس ، ثم قلبوا الياء ألفا فصار طاغوت ، وهو يطلق على الكاهن والشيطان والاصنام ، وعلى كل رئيس في الضلالة ، وعلى كل ما يصد عن عبادة الله تعالى ، وعلى ما عبد من دون الله ، ويجئ مفردا لقوله تعالى : «يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به» (١) وجمعا كقوله تعالى : «والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات» (٢).
وقال قدسسره : لعلك تظن أن ما تضمنه هذا الحديث من أن الطاعة لاهل المعاصي عبادة لهم ، جار على ضرب من التجوز لا الحقيقة ، وليس كذلك بل هو حقيقة ، فان العبادة ليست إلا الخضوع والتذلل والطاعة والانقياد ، ولهذا جعل سبحانه اتباع الهوى والانقياد إليه عبادة للهوى ، فقال : «أرأيت من اتخذ إلهه هويه» (٣) وجعل طاعة الشيطان عبادة له ، فقال تعالى : «ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان» (٤).
ثم نقل أخبارا كثيرة في ذلك فقال بعد ذلك : وإذا كان اتباع الغير والانقياد إليه عبادة له فأكثر الخلق عند التحقيق مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة الدنية وشهواتهم البهيمية والسبعية على كثرة أنواعها واختلاف أجناسها ، وهي أصنامهم التي هم عليها عاكفون ، والانداد التي هم لها من دون الله عابدون ، وهذا هو الشرك الخفي نسال الله سبحانه أن يعصمنا عنه ويطهر نفوسنا عنه بمنه وكرمه.
«وغفلة» عطف على «خوف» وعطفه على عبادة الطاغوت بعيد «في لهو»
____________________
(١) النساء : ٦٠.
(٢) البقرة : ٢٥٧.
(٣) الفرقان : ٤٣.
(٤) يس : ٦٠.