إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة ، المدّخرة ببلد الروم فأجابه إلى ذلك بعد امتناع ، فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجّاج بن مطر وابن البطريق وسلم صاحب بيت الحكمة وغيرهم ، فأخذوا ممّا وجدوا ، فلما حملوه إليه أمرهم بنقله فنقل .. ) (١).
وقد ساعدت تلك الكتب المترجمة على نمو الفكر العربي ، وساهمت في تطور العلوم في البلاد الإسلامية فقد اشتغل الكثيرون من المسلمين في تفسيرها إلى الناشئة العلمية.
وأنشأت الحكومة العباسية في بغداد المدارس والمعاهد لتدريس العلوم الإسلامية وغيرها ، فقد أنشئت فيها حوالي ثلاثون مدرسة ، وما فيها من مدرسة إلاّ ويقصر القصر البديع عنها ، وأعظمها وأشهرها النظامية (٢).
كما أسّست فيها المكتبات العامة التي كان منها مكتبة بيت الحكمة ، فقد نقل إليها الرشيد مكتبته الخاصة ، وأضاف إليها من الكتب ما جمعه جدّه المنصور وأبوه المهدي ، وفي عهد المأمون طلب من أمير صقلية بعض الكتب العلمية والفلسفية ، فلمّا وصلت إليه نقلها إلى مكتبة بيت الحكمة ، كما جلب إليها من خراسان الكثير من الكتب ، وكان حيث ما سمع بكتاب جلبه لها ، وظلّت هذه الخزانة التي هي من أثمن ما في العالم قائمة يرجع إليها البحّاث وأهل العلم فلمّا استولى السفّاك المغول على بغداد سنة ( ٦٥٦ هـ ) عمد إلى إتلافها ، وبذلك فقد خسر العالم الإسلامي أعظم تراث له.
__________________
١ ـ الفهرست : ص ٣٣٩.
٢ ـ رحلة ابن جبير : ص ٢٠٨.