وكان من مظاهر ألوان التقدم الثقافي والحضاري في ذلك العصر أنّ المأمون أمر بوضع خريطة للعالم سُمّيت ( الصورة المأمونية ) وهي أول خريطة صُنعت للعالم في العصر العباسي ، كما أمر بإنشاء مرصد فلكي فأنشأ بالشماسية وهي إحدى محلاّت بغداد (١).
ففي هذا الجو العلمي الزاهر كان الإمام أبو جعفر الجواد عليهالسلام الرائد الأعلى للحركة الثقافية ، فقد التفّ حوله العلماء أثناء إقامته في بغداد وهم ينتهلون من نمير علومه ، وقد سألوه عن أدق المسائل الفلسفية والكلامية فأجابهم عنها حسب ما ذكرناه في البحوث المتقدمة.
أمّا الحياة السياسية في عصر الإمام أبي جعفر عليهالسلام فقد كانت بشعة وحرجة للغاية لا للإمام فحسب وإنّما كانت لعموم المسلمين وذلك لما فيها من الأحداث الجسام ، فقد مُنيت الأمة بموجات عارمة من الفتن والاضطرابات ، وقبل أن نتحدّث عنها نرى من اللازم ان نعرض لمنهج الحكم في العصر العباسي وغيره ممّا يتصل بالموضوع وفيما يلي ذلك :
أمّا منهج الحكم في العصر العباسي فإنّه كان على غرار الحكم الأموي ، لم يتغير ولم يتبدل ، وقد وصفه ( نكلسون ) بأنّه نظام استبدادي ، وانّ العباسيين حكموا
__________________
١ ـ عصر المأمون : ج ١ ص ٣٧٥.