البلد حكماً مطلقاً على النحو الذي كان يحكم به ملوك آل ساسان قبلهم (١).
لقد كان الحكم خاضعاً لرغبات ملوك العباسيين وأمرائهم ، ولم يكن له أي التقاء مع القانون الإسلامي ، فقد شذّت تصرّفاتهم الإدارية والاقتصادية والسياسية عمّا قنّنه الإسلام في هذه المجالات.
لقد استبدّ ملوك بني العباس بشؤون المسلمين وأقاموا فيهم حكماً إرهابياً لا يعرف الرحمة والرأفة ، وهو بعيد كلّ البعد عمّا شرّعه الإسلام من الأنظمة الخلاّقة الهادفة إلى بسط العدل ، ونشر المساواة ، والحق بين الناس.
ولم تخضع الخلافة الإسلامية حسب قيمها الأصيلة إلى أي قانون من قوانين الوراثة ولا لأي لون من ألوان المحاباة أو الاندفاع وراء الأهواء والعواطف ، فقد حارب الإسلام جميع هذه المظاهر واعتبرها من ألوان الانحطاط والتأخر الفكري للمسلمين ، وأناط الخلافة بالقيم الكريمة ، والمُثل العُليا ، والقدرة على إدارة شؤون الأمة ، فمن يتصف بها فهو المرشّح لهذا المنصب الخطير الذي تدور عليه سلامة الأمّة وسعادتها.
أما الشيعة فإنّما خصّت الخلافة بالأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهمالسلام لا لقرابتهم من الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وانّهم ألصق الناس به وأقربهم إليه ، وإنّما لمواهبهم وعبقرياتهم ، وما اتصفوا به من الفضائل التي لم يتصف بها أحد غيرهم.
وأمّا الذين طبّلوا بالوراثة فهم العباسيّون ، فاعتبروها القاعدة الصلبة لاستحقاقهم للخلافة لأنّهم أبناء عم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد بذلوا الأموال الطائلة لأجهزة
__________________
١ ـ اتّجاهات الشعر العربي : ص ٤٩.