كان يتمتع بالحكمة والتجارب ، وممارسة الشؤون الاجتماعية والدراية التامة بما تحتاج إليه الأمّة في جميع مجالاتها ، وليس من سبيل لإسنادها للأطفال والصبيان.
٢ ـ إسناد ولاية العهد لأكثر من واحد فإنّ في ذلك تمزيقاً لشمل الأمّة وتصديعاً لوحدتها وقد شذّ الرشيد عن ذلك فقد أسند الخلافة من بعده إلى الأمين والمأمون ، وقد ألقى الصراع بينهما ، وعرّض الأمة إلى الأزمات الحادة ، والفتن الخطيرة ، وسنعرض لها في البحوث الآتية.
من الأجهزة الحساسة في الدولة العباسية هي الوزارة ، فكانت ـ على الأكثر ـ وزارة تفويض ، فكان الخليفة يعهد إلى الوزير بالتصرف في جميع شؤون دولته ويتفرغ هو للّهو والعبث والمجون ، فقد استوزر المهدي العباسي يعقوب بن داود ، وفوّض إليه جميع شؤون رعيّته وانصرف إلى ملذّاته ، وفيه يقول الشاعر :
بني أميّة هبّوا طال نومكم |
|
إنّ الخليفة يعقوب بن داود |
ضاعت خلافتكم يا قوم |
|
فالتمسوا خليفة الله بين الناي والعود |
استوزر الرشيد يحيى بن خالد البرمكي ومنحه جميع الصلاحيات واتجه نحو ملاذّه وشهواته فكانت لياليه الحمراء في بغداد شاهدة على ذلك.
وتصرّف يحيى في شؤون الدولة الواسعة الأطراف حسب رغباته ، فقد أنفق الأموال الطائلة على الشعراء المادحين له ، واتخذ من العمارات والضِياع التي كانت وارادتها تدرّ عليه بالملايين ، وهي التي سببت قيام هارون الرشيد باعتقاله ، وقتل ابنه جعفر ومصادرة جميع أموالهم.
وفي عهد المأمون أطلق يد وزيره الفضل بن سهل في أمور الدولة فتصرّف فيها حيثما شاء ، وكان الوزير يكتسب الثراء الفاحش بما يقترفه من النهب والرشوات ،