سهل بن سلامة فمنعوا العابثين وتصدوا لهم بقوة السلاح حتى أخرجوهم من بغداد (١).
وعلى أي حال فقد منيت بغداد بأفدح الخسائر من جرّاء تلك الفتنة الكبرى ، وقد فقدت الكثير من أبنائها ، وقد زحفت جيوش المأمون إلى تطويق قصر الأمين ، وإلحاق الهزائم بجيشه فلم تتمكّن من الصمود أمام جيش المأمون الذي كان يتمتّع بروح معنوية عالية بالإضافة إلى ما يملكه من العتاد والسلاح.
وكان الأمين في تلك المحنة الحازبة مشغولاً بلهوه وطربه ، ويقول المؤرّخون : إنّه كان يصطاد سمكاً مع جماعة من الخدم وكان فيهم ( كوثر ) الذي كان مغرماً به فكانت توافيه الأنباء بهزيمة جنوده ، ومحاصرة قصره فلم يعن بذلك ، وكان يقول : اصطاد كوثر ثلاث سمكات وما اصطدت إلاّ سمكتين ، وهجمت عليه طلائع جيش المأمون فأجهزت عليه ، وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين فنصبه على رمح وتلا قوله تعالى : ( اللهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء ) (٢) وقال فيه بعض الشعراء :
إذا غدا ملك باللهو مشتغلاً |
|
فاحكم على ملكه بالويل والخرب |
أما ترى الشمس في الميزان هابطة |
|
لما غدا وهو برج اللهو والطرب (٣) |
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الخلاف بين الأمين والمأمون ، وهو من أعظم الأحداث السياسية في ذلك العصر.
__________________
١ ـ اتّجاهات الشعر العربي : ص ٧٣.
٢ ـ عيون التواريخ : ج ٣ ورقة ٢١١.
٣ ـ حياة الحيوان للدميري : ج ١ ص ٧٨.