من الأحداث السياسية في ذلك العصر خلافة إبراهيم الخليع الذي لم يترك لوناً من ألوان المجون إلاّ ارتكبه ، وكان مدمناً على الخمر في أكثر أوقاته ، وقد نصّبه العباسيون خليفة عليهم ، وذلك لحقدهم على المأمون وكراهيّتهم له ، وقد بايعه الغوغاء ، وأهل الطرب من الناس ، ومن الطريف أنّ الغوغاء أرادوا منه المال فجعل يسوّفهم ، وطال عليهم الأمر فأحاطوا بقصره فخرج إليهم رسوله فأخبرهم أنّه لا مال عنده ، فقام بعض ظرفاء بغداد فنادى : ( أخرجوا إلينا خليفتنا ليغنّي لأهل هذا الجانب ثلاث أصوات ، ولأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات فتكون عطاءً لهم ... ) (١).
وقد سخر به دعبل في أبيات له ، فقد وصفه بأبشع الصفات وجعل مصحفه البربط ، ووصفه رسترستين بقوله : ( لم تكن له مواهب الحاكم ، ولكنّه كان رجلاً سليم الذوق ، يهتمّ بالموسيقى والغناء ) (٢).
وزحف المأمون بجيوشه نحو بغداد للقضاء على تمرّد إبراهيم ، فلمّا علم ذلك هرب ، وهرب من كان يعتمد على نصرته ، وقال في هجائهم :
فلا جزيت بنو العباس خيراً |
|
على رغمي ولا اغتبطت بري |
أتوني مهطعين وقد أتاهم |
|
بواد الدهر بالخبر الجلي |
وقد ذهل الحواضن عن بنيها |
|
وسد الثدي عن فمه الصبي |
وحلّ عصائب الأملاك منها |
|
فشدّت في رقابي بني علي |
فضجّت أن تشدّ على رؤوس |
|
تطالبها بميراث النبي (٣) |
__________________
١ ـ الأغاني.
٢ ـ دائرة المعارف الإسلامية البريطانية : ج ١ ص ١٤٠.
٣ ـ التنبيه والأشراف : ص ٣٠٣. الولاة والقضاة : ص ١٦٨.