أيام المنصور.
ولما آلت الخلافة إلى المأمون رفع عنهم المراقبة ، وأجرى لهم الأرزاق وشملهم برعايته وعنايته ، ولكن لم يدم ذلك طويلاً فإنّه بعد ما اغتال الإمام الرضا عليهالسلام بالسمّ ، أخذ في مطاردة العلويين ، والتنكيل بهم كما فعل معهم أسلافه.
وعلى أيّ حال فإن من أعظم المشاكل السياسية التي أُمتحن بها المسلمون امتحاناً عسيراً هي التنكيل بعترة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وذرّيته وتقطيع أوصالهم بيد الزمرة العباسية الخائنة التي لا تقلّ في قسوتها وشرورها عن بني أمية ، فقد انتهى الأمر بأبناء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنهم كانوا يتضوعون جوعاً حتى بلغ الحال بالقاسم بن إبراهيم أنّه كان يطبخ الميتة ويأكلها لفقره وسوء حاله (١). إلى غير ذلك من المآسي التي حلّت بهم ، ومن الطبيعي أنّها قد كوت قلب الإمام أبي جعفر الجواد عليهالسلام ، وأخلدت له الأسى والحزن.
لعلّ من أعقد المشاكل السياسية التي أُبتلي بها المسلمون في ذلك العصر هي محنة خلق القرآن فقد أشاعت الفتن والخطوب في البلاد ، فقد أظهر المأمون هذه المسألة في سنة ( ٢١٢ هـ ).
وقد أمتحن بها العلماء امتحاناً شديداً ، وأرهقوا إلى حدّ بعيد فمن لا يقول بمقالة المأمون سجنه أو نفاه أو قتله (٢) وقد حمل الناس على ما يذهب إليه بالقوّة والقهر.
إنّ هذه المسألة تعتبر من أهمّ الأحداث الخطيرة التي حدثت في ذلك العصر ، وقد تعرّض الفلاسفة والمتكلّمون إلى بسطها وإيضاح غوامضها ولولا خوف الإطالة
__________________
١ ـ الحدائق الوردية : ج ٢ ص ٢٢٠.
٢ ـ عصر المأمون.