هذا هو الإسراف والتبذير الذي حرّمه الإسلام حفظاً على الاقتصاد العامّ في البلاد.
ووهب ملوك بني العباس أموال المسلمين بسخاء إلى المغنّين والمغنّيات والخدم والعملاء ، فقد غنّى إبراهيم بن المهدي العباسي محمد الأمين صوتاً فأعطاه ثلاثمائة ألف ألف درهم فاستكثرها إبراهيم ، وقال له : يا سيدي لو قد أمرت لي بعشرين ألف ألف درهم فقال له الخليفة : هي هي إلاّ خراج بعض الكور (١) ، وغنّى ابن محرز عند الرشيد بأبيات مطلعها ( واذكر أيام الحمى ثمّ انثن ) فاستخفّ به الطرب فأمر له بمائة ألف درهم ، وأعطى مثل ذلك للمغني دحمان الأشقر (٢) ولمّا تقلّد المهدي العباسي الخلافة وزّع محتويات إحدى خزانات بيت المال بين مواليه وخدمه (٣) إلى غير ذلك من الهبات والهدايا التي كانت من الخزينة المركزية التي ألزم الإسلام بإنفاقها على المشاريع الحيوية التي تزدهر بها البلاد.
وبدل أن يتّجه ملوك بني العباس إلى إصلاح البلاد وتنميتها الاقتصادية فقد اتّجهوا بنهم وجشع إلى اقتناء الجواري ، والمغالاة في شرائها ، فقد جلبت إلى بغداد الجواري الملاح من جميع أطراف الدنيا ، فكان فيهنّ الحبشيات ، والروميّات ، والجرجيات ، والشركسيات ، والعربيات من مولدات المدينة والطائف واليمامة ومصر ذوات الألسنة العذبة ، والجواب الحاضر ، وكان بينهنّ الغانيات اللاتي يعزفن بما عليهن من اللباس الفاخر وما يتّخذن من العصائب التي ينظمنها بالدرّ والجواهر ،
__________________
١ ـ الإسلام والحضارة العربية : ج ٢ ص ٢٣١.
٢ ـ المستطرف : ص ١٨٢ ـ ١٨٤.
٣ ـ تاريخ بغداد : ج ٥ ص ٣٩٣.