عاش الإمام أبو جعفر محمد الجواد عليهالسلام معظم حياته في عهد المأمون ، ولم يلبث بعده إلاّ قليلاً حتى وافاه الأجل المحتوم .. ويرى بعض المؤرّخين أنّ المأمون كان يكنّ له أعظم الودّ وخالص الحبّ ، فزوّجه من ابنته أم الفضل ، ووفرّ له العطاء الجزيل ، وكان يحوطه ، ويحميه ويخشى عليه عوادي الدهر ، ويضنّ به على المكروه ، وكان يصرّح أنّه يبغي بذلك الأجر من الله ، وصلة الرحمة التي قطعها آباؤه ، وفيما أحسب أنّ ذلك التكريم لم يكن عن إيمان بالإمام أو إخلاص له ، وإنّما كان لدوافع سياسية ، نعرض لها في البحوث الآتية.
وعلى أيّ حال فلابدّ لنا من وقفة قصيرة لدراسة حياة المأمون ، والوقوف على اتجاهاته الفكرية والعقائدية ، والنظر فيما صدر منه من تكريم للإمام عليهالسلام فإنّ ذلك ممّا يرتبط ارتباطاً موضوعيّاً في البحث عن حياة الإمام أبي جعفر عليهالسلام ، وفيما يلي ذلك :
نزعات المأمون وصفاته :
من أبرز نزعات المأمون وصفاته ما يلي :
أ ـ الدهاء :
ولم تعرف الدبلوماسية الإسلامية في العصر العباسي من هو أذكى من المأمون ، ولا من هو أدرى منه في الشؤون السياسية العامّة فقد كان سياسياً من الطراز الأول ، فقد استطاع بحدّة ذكائه ، وقدراته السياسية أن يتغلّب على كثير من الأحداث