( أعطني على قدر مروّتك ) ، فأجابه الإمام :
( لا يسعني ذلك .. ).
والتفت الفقير إلى أنّه قد أخطأ في كلامه فقال :
( أعطني على قدر مرؤتي .. ).
وقابله الإمام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً :
( إذن نعم .. ).
وأمر له بمائتي دينار (١).
إنّ مروءة الإمام لا تحدّ فلو أعطاه ما في الأرض فليس على قدر مروّته ورحمته التي هي امتداد ذاتي لرحمة الرسول الأعظم.
هذه بعض البوادر من كرمه وجوده التي لم يقصد بها إلاّ إدخال السرور على القلوب البائسة الحزينة التي أثقلتها مرارة الحياة وبؤسها.
كان الإمام عليهالسلام أعلم أهل زمانه وأفضلهم ، وأدراهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين ، وقد تحدّث عبد السلام الهروي وهو ممّن رافق الإمام عن سعة علمه عليهالسلام فقال :
( ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا ، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي ، ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان ، وفقهاء الشريعة ، والمتكلّمين فغلبهم عن آخرهم ، حتى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل ، وأقرّ له على نفسه بالقصور ، ولقد سمعته يقول : كنت أجلس في ( الروضة ) والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا دعيّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ المسألة فأجيب عنها .. ) (٢).
__________________
١ ـ المناقب : ج ٤ ص ٣٦١ ـ ٣٦٢.
٢ ـ كشف الغمة : ج ٣ ص ١٠٧.