( إلى حيث وجّهتني ـ يعني إلى الموت ـ ) (١).
وتفاعل السمّ في بدنه ، وأحاطت به آلام الموت ، فأرسل إليه المأمون رسولاً وقال له : قل له : ما توصيني به؟ وعرض على الإمام ذلك فقال عليهالسلام : قل له : ( يوصيك أن لا تعطي أحداً ما تندم عليه ) (٢).
وعرض الإمام بذلك إلى ما أعطاه المأمون له من ولاية العهد وما ألزم به نفسه أمام الله والأمّة ثمّ خلس بعد ذلك ، والتفت الإمام إلى أبي الصلت قائلاً :
( يا أبا الصلت قد فعلوها .. ) (٣).
يشير بذلك إلى اغتيال المأمون له ، وأخذ الإمام في تلك الفترة الرهيبة يعاني آلام السم ، فقد تقطّعت أمعاؤه ، وذابت حشاشته إلى جنّة المأوى :
ودنا الموت سريعاً من الإمام ليخمد تلك الشعلة المشرقة التي أضاءت الحياة الفكرية والاجتماعية في دنيا العرب والإسلام ، وكان الإمام في تلك المحنة الحازبة مشغولاً بذكر الله لم تصدّه عنه آلام الموت ، ولفظ أنفاسه الأخيرة مشفوعة بتوحيد الله وتمجيده ، وقد ارتفعت روحه العظيمة إلى بارئها كما ترتفع أرواح الأنبياء والأوصياء تحفّها ملائكة الله ورضوانه ، لقد ارتفعت روح الإمام إلى الله بعد أن أدّى رسالته الإصلاحية العظيمة في الذبّ عن دين الله ، وحماية مبادئه وأهدافه.
وكتم المأمون موت الإمام الرضا يوماً وليلة ، ثمّ أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق عليهالسلام
__________________
١ ـ عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ج ٢ ص ٢٤٣.
٢ ـ عيون التواريخ : ج ٣ ، ورقة ٢٢٧.
٣ ـ الإرشاد : ص ٣٥٥.