وما نذهب إليه هو : إن الدليل القرآني ومجموع ما توصلنا إليه يقف إلى جانب أن يكون المعصوم معصوماً حال ولادته ، ولا قيمة للرد القائل بأن الظاهر القرآني يقف على الخلاف من ذلك لقوله تعالى : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (١) فهي دالة على إن الإنسان يولد حين يولد وهو لا يعلم بأي شيء ، بينما العصمة هي حالة علمية واعية بكل شيء ، وعدم قيمة هذا الرأي واضحة لكونه يغفل تخصيصات القرآن ففي قوله تعالى : ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) (٢) يخصص هذا الاطلاق ويضرب المثل بعيسى عليهالسلام الذي جعله نبياً ولما يزل في المهد صبياً ، ومن الواضح أن النبوة أعلى درجة من العصمة ، ونظيرها قوله تعالى في شأن نبوة يحيى عليهالسلام : (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً) (٣).
وليس في هذا المثل أي إعجاز اللهمّ إلاّ ما يراه الناس في صورة غير مألوفة لديهم فيتصوروه إعجازاً ، بينما من يلحظ سياقات الكمال الروحي المطروحة في القرآن يجد أن هذا الكمال يمكن أن يذهب بالإنسان إلى درجة أعلى من ذلك بكثير ، فالقرآن يطرح قضية الكمال الروحي في مستطاع كل يد ، ولكنه يشرط هذه الاستطاعة بجملة من العوامل التي تجعلها عصية على الكثير من الناس الذي رزحوا في عالم الظلمات والذنوب.
ففي قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذَا غَافِلِينَ) (٤) يطرح القرآن حقيقة أن الإنسان قد عرض عليه شيء ما وهو في «عالم الذر»
____________________
(١) النحل : ٧٨.
(٢) مريم : ٢٩.
(٣) مريم : ١٢.
(٤) الأعراف : ١٧٢.