يتحدّث عن القلوب المقفلة وعن الآذان الواعية ، وهو حين يتحدث عن أمر فإنه يشير في نفس الوقف إلى نقيضه ، فالقلوب المقفلة تواجهها القلوب المفتوحة التي ترى ملكوت السماوات والأرض ، والآذان الواعية تقابلها الآذان المؤصدة.
وفي حالة المعصوم فإن قلب هذا المعصوم ما هو إلا صفحة بيضاء لا يعتريها أي غبش لأنه نتاج نطفة تقلبت بين الساجدين فتنتقل من أصلاب طاهرة إلى أرحام مطهّرة لقوله تعالى : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (١) ، وبالنتيجة فلا حائل في قلبه يحول دون رؤية ذلك النور والاهتداء بهديه ، وهذا هو مؤدى الآية الكريمة التي أوردناها آنفاً في شأن علم الراسخين في العلم ، فهو إنما حصل فلعدم وجود زيع في قلوبهم ، ومما لا شك فيه أن الزيغ الذي تتحدث عنه الآيات لا يمكن أن يبلغ المعصوم وإلا لم يك جديراً بعلم الله ولا قابلاً له ، وهذه الخصيصة إن ضمت إليها حقيقة ما يعلمه الله من مواصفاتهم الإرادية وصدقهم في عبوديتهم ، فإنها تنفي عندئذ أي غرابة من أن تجد ذلك الطفل يبعث نبياً ولما يزل في المهد صبياً ، ويتمكن من الحكم ولما يزل في مرحلة الطفولة ، ولئن كان هذا الأمر سارياً على عيسى ويحيى عليهماالسلام ، فما بالك بنبينا الأعظم وآله الكرام؟!
يبقى علينا توضيح حقيقة أن النبوة إنما تمنح بناء على مواصفات ذاتية يتمتع بها النبي قبل بعثته ، وبموجب هذه المواصفات يجتبى من قبل الله تعالى لهذا المقام ، والعصمة هي أحد مترتبات هذه المواصفات ، وهي سابقة للنبوة ، فقد ترى معصوماً وليس بنبي أو إمام كما هو الأمر في السيدة زينب وأبي الفضل العباس بن علي عليهماالسلام وغيرهما كالخضر ولقمان ، ولكنك لن تجد نبياً أو إماماً بل عصمة ، ولهذا فمن خطل القول التحدّث عن عصمة ما بعد النبوة ، واستثناء ما قبلها عن هذه العصمة ، كيف؟ وإن بعض أهم ما
____________________
(١) الشعراء : ٢١٩.