التعميم يغيب في آية التطهير ، فيتغيّر الكلام من طلب الفعل المتضمن للتهديد والوعيد إلى التحدّث بحفاوة بالغة عن خصوصية من يسميهم بأهل البيت ، مع تغيير لغة الخطاب من التأنيث إلىالتذكير ، دون أن تجد في خطابه أدنى صورة من صور الطلب الذي حفّ بكل الآيات المحيطة ، بالشكل الذي يقطع علينا الطريق في ادعاء أن المخاطب في الآيات كان واحداً ، بل يجبرنا على تقبل حقيقة أن المخاطبين كانوا عبارة عن جهتين مختلفتين بشكل كلي في المواصفات والمؤهلات ، ويفيدنا وجود أداة الحصر : (إِنَّمَا) على تأكيد هذا المضمون ، فبعد أن كان الحديث عاماً مع تنكير البيوت انسجاماً مع هذا التعميم ، جاءت كلمة : (إِنَّمَا) مقرونة بتعريف البيت في هذه الآية كي تفيد التخصيص وتخرج الآية من التعميم الذي كان يسم فصولها الأخرى.
ويبرز تنوع الارادات في الآيات قرينة جديدة تعمل ضد تخصيص الآية بزوجات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى لو قلنا بوحدة السياق ، ففي كل الآيات كان الحديث مختصّاً بارادة نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيما كان الحديث في آية التطهير وحده خاصاً بارادة الله!
إن اختلاف المخاطب في استخدام الضمائر وتحويلها من جهة لأخرى من مألوفات القرآن ، ويسمّى في علم المعاني بالالتفات ، كما تجد في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١) ، فهنا تجده أبدل لغة الخطاب وضمائره عدة مرات ، دون أن يمنع بقاء السياق واحداً.
وإن انتقال المخاطِب من حديث عن جهة إلى حديث عن جهة أخرى ثم العودة إلى الحديث عن الجهة الأولى هو أيضاً من حقائق البلاغة القرآنية ،
____________________
(١) يونس : ٢٢.