يعني التلاصق بين الخير والشر ، وإنما العلاقة بين المبعد والمبعد عنه هي علاقة تطارد وتدافع لا علاقة التقاء ، فإنهما لن يلتقيا أبداً ، مما يعني أن الاستخدام الإلهي لكلمة (لِيُذْهِبَ) يشير إلى حقيقة أن الرجس لم يك موجوداً في شخصية المبعد عنهم أثناء تحقق عملية الاذهاب ، مما يقرر بدوره حقيقة أن ارادة الاذهاب هي ارادة تكوينية وليست تشريعية ، وذلك لأن التشريع لا يتعلق بما هو كائن ، وإنما يتعلّق بما ينبغي أن يكون.
ثم نلاحظ ثانية أن الرجس والطهارة مفهومان متعارضان ، يطرد أحدهما بوجوده الآخر بصورة نسبية ، أي كلّما طرد أحدهما حلّ الآخر في موضعه ، وذلك لأن الآية استخدمت كلمة الاذهاب للرجس ، ثم استخدمت كلمة التطهير ، مما يشير إلى حقيقتين :
أولهما : عدم امكانية الالتقاء بين الرجس والطهر ، فمن طهر لا يصيبه الرجس ، ومن كان فيه رجساً لن يطهر إلاّ بعد زوال الرجس.
وثانيهما : عدم تعلّق التطهير بالرجس ، فلو تعلّق به لكان الأولى القول : ليطهركم حتى يذهب الرجس عنكم ، ولكن الاستخدام المعاكس لهما يشعرنا أن المراد الإلهي الإخبار بأن الطهر إنما حصل فبسبب انتقاء الرجس.
والرجس في اللغة : هو القذر ، واسم لكل ما استقذر من عمل ؛ على ما أشار إليه ابن منظور. (١)
وفي نهاية ابن الأثير قال : يعبّر عنه بالحرام والفعل القبيح والعذاب واللعنة. (٢)
وفي غريب ابن سلام قال : الرجس النجس الخبيث. (٣)
____________________
(١) لسان العرب ١٤٧ : ٥.
(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ٢٠٠ : ٢.
(٣) غريب الحديث ١٩١ : ٢.