الاثم ، بل تمتد لتشمل جوانب الخطأ والسهو والنسيان أيضاً ، وذلك لأن أسباب الخطأ والاثم وغيرهما مشتركة في جانبين هما :
أولهما : الجهل : وقد رأينا أن الرجس يستلزمه وفقاً لمفاد الآية الشريفة : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) (١) وجهد الشيطان الرجيم منصب في الأساس على أن يوجد غشاوة على عقل الإنسان لينسيه ذكر الله وحقائق الأمور ، وفقاً لقول الله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) (٢) ، وكذا قوله تعالى : (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) ولهذا فمن يتطهر من الرجس ، سينضوي حتماً في دائرة الذين يعقلون ، وباعتبار إن التطهّر المشار إليه في الآية تاماً بدلالة ما فيه من مبالغة في التطهير ، فإن العقل (٣) المشار إليه سيكون هو الآخر تاماً ، على تفصيل سيأتيك في محله إن شاء الله.
وثانيهما : منافيات الإيمان : وقد رأينا أن وجود الرجس متعلق بها وفقاً لقوله تعالى : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) (٤) وهذه تأتي من اتباع الهوى ، الذي قد يطرح نفسه بديلاً عن الله جلّ وعلا ، (أَرَأَيْتَ
____________________
(١) يونس : ١٠٠.
(٢) المجادلة : ١٩.
(٣) لا نقصد بالعقل جانب النشاط الذهني ، وإنما نريد به القوة التي يشخّص بموجبها الإنسان حقائق الأمور وبموجبها يثيب الله ويعاقب ، وفقاً لصحيح محمد بن مسلم ، عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : لما خلق الله العقل استطقه ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منك ، ولا أكملتك إلا في من أحب ، أما إني إيّاك آمر ، وإيّاك أنهى ، وإيّاك أُعاقب ، وإيّاك أُثيب. (الكافي ١٠ : ١ ب ١ ح١). وهو على ما في حديث الإمام موسى الكاظم (صلوات الله عليه) عبارة عن جنود العقل والجهل (الكافي ١٣ : ١ ب١ ح١٢) ويشتمل على ما نسميه اليوم بالعقلين النظري والعملي.
(٤) الأنعام : ١٢٥.