وإن قيل : ليس ذلك اجتهاداً في مقابل النص ، وإنما هو توسعة لقيد تلك الروايات ، قلنا : بأن إطلاق القيد أو تخصيص المطلق يحتاج إما إلى نص أو إلى ظهور صريح على مستوى العرف أو اللغة ، والظهور النبوي والعرفي واللغوي لهذا التخصيص لا يقدح في قيده ، بل هو المتعيّن على ما يأتي من حديث.
٢ ـ إن الظهور اللغوي يشير إلى أن الأهل هم خاصة الرجل وعشيرته وذوو قرباه ، هذا في حال اطلاقه دونما قرينة ، ولكن الظهور العرفي يستثني من الخاصة الزوجة ليكون أول القرائن على تخصيص هذا الاطلاق في دائرة أضيق ، وذلك القول زيد بن أرقم : أيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، (١) أما الظهور النبوي فلكثرة ما خصصوه في ما أجمعوا على نقله في أحاديثهم عن أهل البيت ، مرة بكلمة : عترتي ، والعترة هم ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه ، (٢) أو بمخصص : إنما أهل بيته من حرم الصدقة ، أي عموم بني هاشم ، أو بمخصص أضيق هو خصوص الأربعة المتبقين من أهل الكساء ، ولا يبقى في البين من بعد ذلك أدنى اشارة إلى الزوجات.
٣ ـ لو تأمّلنا التصرف الرسولي في شأن أهل الكساء لوجدنا بوضوح انه كان عازماً على ايجاد فاصلة بينهم وبين أزواجه ، ولا يظهر هذا من حادثة واحدة ، بل تتعدد هذه الحوادث في أزمنتها وأمكنتها عدة مرات ، فلو أخذنا أحاديث أم سلمة وعائشة كمثال ، لرأيته صلىاللهعليهوآلهوسلم يتصرف بحرص وتعمد على إيجاد فاصلة بين زوجتيه وبين أهل الكساء ، فمرة تراه يرفض دخولهما مع
____________________
= كثير الارسال. تقريب التهذيب : ٢٨٠ رقم ٢٩٧٨.
(١) تفسير القرآن العظيم ٤٩٢ : ٣ لابن كثير الدمشقي (ت ٧٧٤ هـ) ، دار المعرفة ـ بيروت ١٩٨٧ ط ١.
(٢) لسان العرب ٣٤ : ٩.