فماذا يقول عن الحديث الذي ورد بالطرق الأخرى التي لا دخل للكوفيين فيها؟! فهل سيكذّب أستاذيه عبد الله بن محمد المعروف بابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وصاحبه مسلم بن الحجاج القشيري أيضاً ، وقد رووا الخبر بدورهم؟!
وتبيّن زيف ما تحدّث به البخاري وعدم موضوعيته هو من أوضح الواضحات ، فإن صدق فقد كذّب أحمد عياناً جهاراً ، وإن كذب فليس ذلك ببعيد ، فلطالما أشاح النظر عن الأحاديث التي تتعلق بأهل البيت عليهمالسلام لمجرد تعلّقها بهم ، ويشهد له مستدرك الحاكم النيسابوري وتلخيصه للذهبي ـ وهو من له شأن لا يقل عن شأن البخاري في النصب ـ وغيرهما على كثرة مخالفة البخاري لنفس شروطه ، فكم يمرّ المرء بأحاديث في المستدرك والتلخيص وقد كتب في ذيلها : صحيح على شرط الشيخين او البخاري بمفرده ، ولم يخرجاه أو يخرجه.
ثم إنّ الرجل ليس بدعاً من كثير من علماء العامة الذين ترعرعوا في أواوين السلاطين والملوك ، يتسيّرون بسيرتهم وينقادون لهم ، ولكنه كان له نصيبه المعلّى في هذا المجال فقد ترعرع في واحدة من أعتى الأزمنة التي هيمن بها النواصب ، وتخرّج من مدرسة المتوكّل والمعتزّ العباسيين (١) وهي التي اتخذت من العداوة لأهل بيت النبوة علماً لها تشيّد به نظامها ، وتقيم كيانها على رؤوسهم المقطعة ، أشلائهم المبضعة ، وأجسادهم المدفونة في حياتها ، حتى بلغ بهم الأمر أن قال المعتز : إن ولاّني الله لأفنينّ جميع آل أبي طالب. (٢)
وإذ ينشأ البخاري على النصب لأهل البيت عليهمالسلام كيف يمكن له أن يروي مثل هذا الخبر؟ والرجل الذي أدخل في ما يسميه بالصحيح غالبية كبار
____________________
(١) انظر تفاصيل ذلك في التيار الروائي من الفصل الرابع.
(٢) تاريخ أبي الفداء ٢٩ : ٢.