الكاملة للتربية القرآنية! وإنما يحتاج إلى مدة زمنية أطول من عمر إنسان واحد قد يخترمه الموت في أي لحظة ، مما أوجب وجود الهداة من بعده (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (١) ، وأخرى في أواخر أيّام نزوله وتحديداً في نفس فترة صدور حديث الثقلين بتصريحه بأن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إن لم يبلغ شيئاً معيناً فكأنه لم يبلغ كل الرسالة وفقاً لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (٢).
فأنت تلاحظ هنا أن القرآن الكريم قد عمد وهو في أواخر أيام نزوله إلى التأكيد على وجود أمر في البلاغ الإلهي إن يبلّغ فكأن القرآن كله لم يبلّغ ، وبكلمة أخرى : نجد أن ما لم ينجز من التبليغ كان معادلاً للقرآن في عملية البلاغ الإلهية أو متمماً له بحيث انه إن لم يتنجز فكأن الرسالة لم تحقق أهدافها الأولى في تحقيق التبليغ الإلهي ، وهو في ذلك يضعنا في نفس المقام الذي وضعنا الحديث فيه ، ولكن مع ايضاح صورة ذلك الشيء ، فالآية لم تشخص من هو رفيق القرآن الذي يتم به التبليغ ، ولكن الحديث أماط اللثام عن هذه الجهة ، وعليه فإن الآية الكريمة التي تحدّثت عن يأس الكافرين وإتمام الدين وإكمال النعمة : ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ ) (٣) لابد وأن تأتي لتجيب عن استجابة الرسول اصلىاللهعليهوآلهوسلم للطلب الرباني بشأن التبليغ ، فهي كما ترى تنسخ الأمر الذي تحدثت عنه الآية الأولى بشأن عدم تمامية التبليغ ، بينما في هذه الآية تتحدث عن تمام الدين وكمال النعمة ويأس الكافرين ، وليس ذلك إلاّ بناء على حدوث حدث قد تم في الفترة التي
____________________
(١) الرعد : ٧.
(٢) المائدة : ٦٧.
(٣) المائدة : ٣.