والمغاضب لنفسه لا يهرب لسفينة ولا لغيرها ، فلا يبقى إلاّ أن تكون مغاضبته مع قومه الذين هرب منهم قبل أن تحدق بهم نُذر العذاب ، ومعه فإن حديثه عن ظلمه سيكون تصاغراً بين يدي المعبود اليس إلاّ.
٥ ـ إن الغالبية العظمى من المرويات القاصة عن حياة الأنبياء عليهمالسلام قد أخذ من المرويات الإسرائيلية ، وفقاً للقاعدة التي سنت في زمن عمر بن الخطاب والقائمة على دعوى قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على ما يرويه عنه أبو هريرة : حدّثوا عن بين إسرائيل ولا حرج ، (١) ولهذا تجد كتب القوم التي تتحدث عن قصص الأنبياء أغلب ما روي فيها في هذا المجال هو في الواقع مرويات التوراة المحرفة ، وهي تعج بالإساءة للنبيين من قوم لم يجدوا حرجاً في قتلهم! فما بالك بالكذب عليهم والقدح بهم؟ وتبعاً لتلك المرويات راح المفسرون وأهل الكلام يتطوعون لتفسير القرآن وتحديد العقائد وفقاً لمرامي هذه المرويات وأغراضها!!
هذا فضلاً عن الفهم القاصر الذي كان يغلف الكثير من المحاولات التفسيرية لمسائل هي من أوضح الواضحات ، فما بالك بمسائل تحتاج إلى جهد أوسع وخبرة أعظم واحاطة أشمل؟!
النص القرآني ليس نصاً عادياً ، وإنما هو نص الذات الإلهية المقدسة ، ولهذا لا ينبغي أن يخرج فهمه عن فهمنا لهذه الذات بكل المزايا والخصائص التي تميّزها عنا ، وحين يلحظ هذا النص وفقاً لمقتضيات شبهات القادحين بعصمة الأنبياء عليهمالسلام ، فإن المرء لا يملك أن يفغر الفاه عجباً من سخف
____________________
(١) انظر ذلك في : سنن أبي داود ٣٢٢ : ٣ ، وصحيح ابن حبان ١٤٧ : ١٤ و ١٥١ ، ومسند أحمد ٤٧٤ : ٢ و ٥٠٢ ، وسنن النسائي الكبرى ٤٣١ : ٣ ، ومسند الشافعي : ٢٤٠ ، ومسند الحميدي ٤٩١ : ٢ ، وتحفة الأحوذي ٣٧٠ : ٨.