رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) (١) ويرى أصحاب الشبهة ان سياقها الظاهر هو وقوع العصيان من جهة آدم عليهالسلام خاصة وان هذه المعصية قد قرنت بفعل «غوى» مما يؤكد أن المعصية المتحدث عنها قبيحة ، وهي بالتالي قادحة بعصمته عليهالسلام!!
أما الجواب عن ذلك فيتضح فيما لو دققنا في أسباب الطلب الإلهي من آدم عليهالسلام في أن لا يأكل من الشجرة ، إذ عرّفتها الآيات الشريفة بالتالي : فالأكل من الشجرة يؤدي إلى الخروج من الجنة ، مما يستدعي أن تنقضي نعمة الله تعالى عليه وعلى زوجه بأن لا يجوعا ولا يعريا ولا يظمأ ولا يضحيا ، وهذه الأمور بطبيعتها مادية بحتة ناظرة إلى ابقاء آدم في الجنة التي كان فيها كي لا يشقى ، وهي جنة من جنان الدنيا (٢) وليست من جنان الخلد في الآخرة ، لوضوح أن الداخل لجنان الخلد لا يخرج منها ، ولوضوح أن جنة الآخرة تتكشف الحقائق فيها بشكل عياني ، ولوضوح أن ابليس لا يدخل إلى تلك الجنة ، (٣) وهو أمر لو كان لما تمكن إبليس من ان يدلّس على آدم شأن الشجرة ، ولو أضفنا إلى ذلك كله أن هدف إبليس المعلن في الآيات الكريمة هو اخراج آدم وزوجه من الجنة ليزيد من شقائهما ، ومن غير العسير معرفة أن إبليس كان فاقداً للأمل في شأن معصيتهما لربهما في مجال ما يسمّى بالأوامر المولوية الملزمة للعبد في طاعة مولاه ، ولخصيصة كرهه
____________________
(١) طه : ١١٦ ـ ١٢٢.
(٢) أي ان فيها كل مستلزمات العيش الرغيد مما لا يحتاج معه إلى شيء بحسب مفاهيمنا الأرضية.
(٣) الهبوط الذي تتحدث عنه الآيات من جنته إما ان يكون هبوطاً معنوياً ، أو يكون مادياً فهو عندئذ يشير إلى نقطة ارتفاع ما ، سواء كانت في السماء أو في نقطة معينة من الأرض ، وفي الحال المادي فلا ريب أن الجنة المتحدث عنها ليست بجنة الخلد ، خاصة وأنه عليهالسلام كان يبحث عن الخلد ، وهو البحث الذي أفقده ما كان حظي به في جنته.