وحسده لهما حاول أن يزيد من شقائهما ، ويتأكد هذا الأمر فيما لو لاحظنا أن الهدف المعلن من تخلف آدم عليهالسلام عن أمر ربه هو عدم المعصية ، بل محبة طاعته ، فهما كانا يريدان الخلد لغرض ديمومة حالة العبادة له سبحانه وتعالى ، ومن هنا كان مصدر تغرير إبليس بهما هو هذا الأمر بالذات كما وصفت الآية الكريمة : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ) (١) ، ومن هنا نجد أن العتاب الرباني لهما كان شفقة عليهما ، لا غضباً منهما كما يتراءى لنا ذلك من ذيل الآيات الأخيرة : (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ).
وبذا يتبين لنا أن المقصود بمعصية آدم عليهالسلام لم يكن متمحوراً في كونها معصية لأمر مولوي من الله سبحانه ، وإلا لما أنهى حديثه عن هذه المعصية بميزة الاجتباء ومن بعدها التوبة والهداية (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) فالله لا يثيب الغاوي برفع الدرجة بل العكس هو الصحيح ، وهذا الاجتباء الذي أفضى إلى التوبة هو ميزة تشريف وتكريم ، ويتأكد هذا المعنى من التحاق التوبة بالاجتباء ، إذ لو كانت المعصية هي معصية قبيحة لوجدنا أن التوبة تتقدم الاجتباء ، لا العكس كما هو حال الآية الكريمة.
ومن هنا نعلم أن المراد بالتوبة هنا ليست توبة الذنوب ، وإنما هي توبة اصلاح الخطأ الناجم من المعصية في الأمور الارشادية ، فالمريض حينما يذهب إلى الطلبيب يواجه في العادة خطابين مختلفين من حيث الدلالة وطبيعة المراد منهما ، فتارة يتحدث الطبيب عن ضرورة أخذ الدواء الفلاني لأن عدم أخذه سيؤدي إلى مضاعفات خطيرة على صحة المريض ، وأخرى يتحدث
____________________
(١) الأعراف : ٢٠ ـ ٢٢.