عن ضرورة أن يلتزم المريض بتناول الأغذية التي تقوّي بدنه وتضاعف مناعته ، في الطلب الأول نجد أن الضرورة التي يتحدث عنها هي ضرورة إلزام حازمة ، والتخلف عنها قد يفضي لنتائج سريعه تهدد حياة المريض ، بينما الضرورة الثانية فهي ضرورة نصح ليست لها تلك المضاعفات والمترتبات التي نلمسها في الضرورة الأولى ، ولكنها تدخل قطعاً في الحرص على سلامة المريض ، وهي تقدم للمريض ولغيره ، فلو أنه تخلف عن الأولى لأوصل حياته إلى الخطر الذي لا رجعة عنه ، بينما في التخلف عن الثانية لا نجد ما نجده في الأولى ، وهذا ما نسمية بالفرق بين الأوامر المولوية والارشادية ، فالمولوية لا يمكن التخلف عنها ، بينما الارشادية فهي وإن كانت في مصلحة المأمور ، ولكنها إن خولفت لا تجلب سخط الآمر ، ومعصية آدم عليهالسلام إنما كانت في الثانية وليست في الأولى.
ومعه نعلم أن مصطلح الغواية المطروح هنا ليس هو الغواية القبيحة المسببة للآثام ، وإنما هي عدم اختيار الأمثل والأولى ، خاصة إن لوحظت وفق الاطار الذي أطّر القرآن فيه مادة الغواية الآثمة بقوله سبحانه وتعالى : (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (١) ، وهذا التعهد الربّاني لا يمكن أن يتخطّى آدم عليهالسلام بحال من الأحوال.
ومعه تكون جملة (وَلاَ تَقْرَبَا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٢) معربة عما يمكن لهذه المعصية ـ وهي الأكل من الشجرة ـ أن تتسبب به كما أشارت الآية الكريمة : (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) ، وهذا يعني تبديل نعمة الله في عدم الجوع والعري وما إلى ذلك ،
____________________
(١) الحجر : ٣٩ ـ ٤٢.
(٢) البقرة : ٣٥.