ووفق ذلك لا نلمس أي عتاب لانتفاء الذنب ، أما عظته أن لا يكون من الجاهلين فهي رواقع الحال تؤكد عدم حصول الذنب ، لأن الضيغة المطروحة في الآية هي صيغة ناظرة إلى المستقبل لا إلى الحال كما هو واضح ، والنصيحة لشأن المستقبل ليس فيها ما يشعر بارتكاب الذنب أو الاقتراب منه ، بل يمكن أن تكون نابعة من الحرص البالغ للناصح على سلامة المنصوح فيذكره لأن الذكرى تنفع المؤمنين ، ولهذا كان جواب الاستجابة من نوح عليهالسلام على هذا التذكير هو تأكيد الصيغة المستقبلية : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) ، ولو كانت استعاذته من أمر قد حصل لجاء الخطاب بصيغة الماضي ، أي لقال : أعوذ بك مما سألت أو ما إلى ذلك.
أما مسألة المغفرة فهي بعد هذه القرائن تنصرف إلى معنىً آخر غير معنى المغفرة للذنب الحاصل ، لتعود إلى معناها الأصلي وهو التغطية والستر كما تشير إلى ذلك كتب اللغة ، والستر مثلما يكون على ما يحصل فيطالب الإنسان من الساتر أن يستر عليه ما حصل ، كذلك يكون على ما لم يحصل بعد ، فيطالب الساتر أن يستره مما قد يأتي زيادة في التوقي ومبالغة في طلب الأمان مما يستر منه.
٣ ـ نسبة الكذب لإبراهيم عليهالسلام : ومنشأ هذه الشبهة يعود إلى ما رواه القوم في كتبهم فلقد روى البخاري ومسلم وبقية أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وسائر المفسرين عن أبي هريرة قال : لم يكذب إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) إلاّ ثلاث كذبات ؛ ثنتين منهن في ذات الله عزّ وجل ، قوله : إني سقيم ، وقوله : بل فعله كبيرهم هذا ، وقال : بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له : إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إليه فسأله عنها ، فقال : من هذه؟ قال : أختي! فأتى سارة قال : يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني