آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) (١).
وهذا المنطق الإبراهيمي المكائدي هو نفس المنطق الذي نجده في آيات سورة الأنعام (٢) التي تحدثت عن عبادة الكوكب والقمر والشمس ، وهي الآيات التي دفعت القوم للإزراء بالشخصية التوحيدية لرائد التوحيد عليهالسلام وجعلتهم يصِمُونَه بما يبرأ الله ورسوله منه ، ويظهرونه بمظهر السذاجة البلادة في فهم الأمور ، ولا أنوي الدخول في تفاصيل ذلك ، ولكن أجد نفس المنطق يتكرر ، فترى في هذا المنطق إبراهيم عليهالسلام وهو يكيد للقوم الذي يعبدون هذه الكواكب يسوقهم لتسفيهها بشكل غير مباشر ، ولكن مع الضغط النفسي عليهم كي يذعنوا لمسلماتهم العقلية التي قد تغيب في زحمة تراكمات الحياة ، فليس هناك أفضل من البرهنة في الحجاج من أن ينطلق المبرهن من مشتركات عقلية لا يختلف بها مع من يحاججه ، ولهذا خالطهم وجلس يتظاهر بالعبادة معهم وهو يترصد الفرصة للنيل من آلهتهم المزعومة ، وقد استغل بحنكة حالة ضعف الممكنات ، مرة من خلال ملاحقة مسألة غياب الكواكب وأفولها فالإله الحق لا يغيب ، وأخرى مسألة تفاوتها في حجم الجسمية فالإله الحق لا يكبره شيء ، ومن ثم ليبرز عجز هذه الكواكب على أن تمثل المقام الألوهي فهي عاجزة من البقاء وعاجزة عن أن تطاول بكبرها غيرها ، فكيف تقوى على تلبية أغراض المتألهين.
٤ ـ الهمّ اليوسفي : ومنشأ هذه الشبهة فهم هؤلاء للآيتين الكريمتين : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْ لاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٣) ، وقد
____________________
(١) الأنبياء : ٦٤ ـ ٦٨.
(٢) الأنعام : ٧٦ ـ ٧٨.
(٣) يوسف : ٢٣ ـ ٢٤.