إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) (١) ، وقد رأوا في قوله عليهالسلام : هذا من عمل الشيطان ، وقوله : ظلمت نفسي ، وكذا طلبه المغفرة اعترافاً بعدم عصمته أو جوّزوا وقوعه في الخطأ.
غير إننا لا نجد في هذا النص أي دليل على القدح بعصمته ، فمن جهة نذكّر بما أشرنا إليه من قبل في شأن الضوابط التي تحكم مقام النبوة وطبيعة النص القرآني وخصائصه ، لا سيما وأن هذا النص في نظرته لشخصية موسى عليهالسلام ، قد أكبره بما لا مجال معه للظن بهذه الشخصية إلا بما يوجب رفعتها وسموها ، فلقد وصف عليهالسلام في هذا النص بأوصاف فيها من التمجيد والثناء الشيء الكثير ، وكيف يمكن له أن يقع في المعصية ، وقد وصف كتابه بالإمام والرحمة (٢) والفرقان والضياء والذكر للمتقين ، (٣) فإن كانت هذه المواصفات لا تعطيه نوراً في ما يفعل ويترك ، فأي مصداقية لها في هذا المجال؟! مع العلم أن عملية القتل تمت بعد أن أوتي كل ذلك ، وهذا ما يجعل تأويل النص بما ينسجم مع هذه الأوصاف أمراً لا مندوحة عنه.
ولا يشير سياق القصة إلى ما يخل بشخصية النبي موسى عليهالسلام ، فلقد دخل المدينة بعد أن أثبت مؤهليته لتحمل العهد الإلهي وأوتي من الحكمة والعلم الإلهيين ما جعله قادراً على الشروع برسالته ، ولقد جاء إلى المدينة ليعلن عن هذه الدعوة ، ولهذا فمن المعيب جداً أن نتصور النص القرآني وهو يقدم هذه الأوصاف المجيدة لشخصيته ، ولكنه ما أن يبدأ بسرد قصة دعوته حتى يبرز موسى بالشخصية المتعثرة في أول حركتها الرسالية ، ففيه من
____________________
(١) قصص : ١٤ ـ ١٧.
(٢) سورة الأحقاف : ١٢.
(٣) الأنبياء : ٤٨.