يرتبط في قبول الناس الذين يرغب أن يهتدوا ، وما من ريب أن النصّ القرآني يمنع من تدخل الشيطان في الواقع الداخلي للشخصية النبوية ، فالشيطان كما تقدم لا سلطة له على أولياء الله سبحانه ، فكيف برسول الله وسائر النبيين؟ ولا يبقى عندئذ غير الواقع الخارجي للأمنية وهو الواقع المتصل بمن يحب هدايته ، وهذا الواقع نجد امكانيات الشيطان في النفاذ إليه مفتوحة ، فأي الطرفين يصح تصنيف القاء الشيطان في أمنية الشخصية النبوية ضمنه؟! (١)
١١ ـ غفران الذنوب المتأخرة والمقتدمة والتوبة : وقد أعرب القوم عن أن الآية الكريمة : (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٢) فيها من الوضوح الكافي للقدح بهذه العصمة ، فما كان الله ليغفر الذنب المتقدم إلا بسبب وقوعه وتحققه ، تذرعوا لذلك بقوله تعالى : (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) (٣) ، وكذا قوله تعالى : (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (٤) ، ولا توبة من شيء إلا من بعد وقوعه.
وهذه الشبهة من الأمور الواضحة البطلان ، فعلاوة على ما تقدم بشأن ضوابط النص القرآني الذي لا يمكن أن يكشف عيوب مؤمن ويعرّض به ، فضلاً عن رسول هذا النص لو كان لديه وحاشاه من ذلك كله ، وخصائص المقام النبوي الذي لا يمكن أن يصل إليه من له ذنب واحد ، نلحظ أن الآية
____________________
(١) سنعود لهذه الآية من جديد في الفصل القادم أثناء مناقشتنا لأفكار محمد حسين فضل الله المضادة للعصمة.
(٢) الفتح : ١ ـ ٣.
(٣) التوبة : ٤٣.
(٤) التوبة : ١١٧.