ولكن السورة من خلال ملاحقة جميع القرائن المرتبطة بها ، لا تتفق مع ما يزعمون ، فلدينا هنا مجموعة من القرائن الحالية والمقامية تؤكد جميعها براءة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مما وصموه به ، فمن جهة لدينا الرسول الذي وصف بأنه صاحب الخلق العظيم ، ومن الواضح أن العبوس صفة سيئة لو جاءت من أي إنسان ، فما بالك برسول الله؟ وكذلك لدينا الرسول المأمور بالمرابطة مع الذين يذكرون ربهم ، وما من شك أن ابن أم مكتوم تنطبق عليه هذه الصفة ، وكذلك لدينا الرسول الحريص على رفع العنت عن المؤمنين ، والمتصف بالرحمة والرأفة بهم (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (١) وما من ريب أن ابن أم مكتوم واحد من أصدق من تنطبق عليهم ضرورات الرأفة والرحمة بهم ، فهو من أهل الصفّة ، وله رحم بالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو أعمى ، فهل يمكن القول بأن رسول الله قد خالف كتاب الله؟!
ومن جهة نجد العتاب القرآني للعابس انحصر في المهمات اللصيقة في صلتها بمهمة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فالتزكية والتذكير المعربة عنهما الآية بعنوانهما هدف ابن أم مكتوم هما من صلب وظائف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كما تعرب عن ذلك الآيتين التاليتين : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ) (٢) ، وقوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (٣) ، وعندئذ فإن قيل : إن الآية نزلت وهي تعرّض بموقف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي نسي عهد ربه إليه محبة لهداية أحد مجالسيه ، فلقد طرحوا بذلك عظيماً ، كيف لا؟ وهم بذا ينقضون تعهد الله سبحانه بأنه لن يجعل رسالته إلا حيث يعلم بأهلية الحامل لها ،
____________________
(١) التوبة : ١٢٨.
(٢) آل عمران : ١٦٤.
(٣) الغاشية : ٢١.