نكتفي بهذا القدر من استعراض شبهات القادحين بعصمة الأنبياء بقصد ومن دونه ، وهو في تصوري كاف في تفنيد الشبهات المتبقية منها والتي أجد أن الكتاب لا يتسع للحديث عنها جميعاً ، وقد رأينا أن هذه الشبهات فيها من التهافت والضعة القدر الكبير ، وقد صدرت لتعرب عن فهم متدن للآيات القرآنية ، وقد تداخلت عوامل السياسة والتعصب والسذاجة في بناء عجز هذا الفهم وتعزيز قصوره وتقصيره.
* * *
وتبقى ثمة شبهة أخرى على عصمة الأنبياء قد تتداعى صورتها في أذهان البعض من حديث القرآن الكريم عن وجود حالة من التفاضل بين الأنبياء صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهي حالة ما كانت لتوجد إلا بسبب وجود اخطاء أو ذنوب تستدعي أن يتفاضل أحدهم على الآخر ، وقد يعززها الحديث المتكرر عن تأديب الله سبحانه لأنبيائه.
ومع تأكيدنا على وجود حالة التفاضل هذه ، غير إن العصمة شيء والتفاضل شيء آخر فهما موضوعان مختلفان ، ووجود أحدهما لا يعني نفي الآخر ، فالعصمة هي بوابة العهد الرباني ، والتفاضل مضمار طويل في مدراج الكمال ، والسير في هذا المدارج كلما سبرت أغواره كلما رأينا أن ميزاته تزداد دقة ، وتوضيح ذلك أننا نخصص النظر بين الموحد والمشرك فلدينا الموحد الفاسد أفضل من المشرك كائناً ما كانت شاكلته ، وحينما نضيق الدائرة فنجعلها مقتصرة على الموحدين عندئذ سنعطي لدرجة التمييز دقة أكثر وعندها سيكون الموحد المسلم كائناً من كان أفضل من الموحد النصراني أو اليهودي أو غيرهما من أصحاب الديانات ، ولو أردنا التخصيص أكثر احتجنا إلى دقة أكثر في معايير التفاضل ، فعندها سيكون المسلم المؤمن أفضل من