المسلم الأعرابي ، ولو قصرنا النظر إلى دائرة المؤمنين فعندها ستتخصص معايير التمايز لتكون أكثر دقة وصرامة ، فسيكون لدينا المؤمن المجاهد أفضل من المؤمن القاعد ، ومن بعدها سنجد أن الأبرار أقل درجة من المقربين ، رغم علو درجة الأبرار ، وهكذا سيستمر الأمر حينما سنصل إلى المعصومين حيث سنجد أن معايير التفاضل تغدو متشددة جداً وتبلغ من الدقة درجة قد لا نشعر حتى بضرورتها ، ولكن هذه الدقة المتشددة هي من بديهيات هذه المعايير ، فيوسف المعصوم عليهالسلام يؤاخذ مؤاخذة شديدة من قبل الله بسبب قوله : (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) (١) ، وهو قول في معاييرنا لا ضير فيه ، ولكن في دائرة الخلة فإن يوسف الصديق عليهالسلام كان ينبغي أن لا يطلب ذلك من الملك لأن الله ومن بيده كل شيء ، ومن شأن الخليل الصادق في خلته أن يحاسب خليله حساباً شديداً حرصاً على بقاء الخلة في مستواها الممكن ، أو انه يستحثه كي يتقدم بمستوى هذه الخلة إلى ما هو أفضل من وضعها الحالي ، ولكن هذا الحساب لا علاقة له بمنزلة العصمة ، فهي منزلة قد بلغها النبي من قبل أن يصل إلى هذا المضمار ، وعندئذ فمن الطبيعي أن يتفاضل عليه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الذي بلغ بخلته مرحلة الدنو والقرب كقاب قوسين أو أدنى ، حتى بلغ به الحال أن الله سبحانه وتعالى يرأف باندفاعه نحو تحقيق واجبات خلته مع عظيم السماوات والأرض ، فيطالبه برأفة أن لا يشقى كما وصفت آية سورة طه : (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (٢) ، وهي مطالبة تختلف عن مطالبات الأوامر والنواهي ، إنما هي مطالبة رأفة به من جهة أن لا يهلك لكثرة تعبّده ، وأراد أن يضرب بها المثل عن طبيعة عبادة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
* * *
____________________
(١) يوسف : ٤٢.
(٢) طه : ١ ـ ٣.