ولكن خطاب أمير المؤمنين عليهالسلام شيء ، ونفي العصمة شيء آخر ، بل يمكننا القول بأنه صلوات الله عليه قد أكّد عصمته في هذا الخطاب ، وبعيداً عن أجواء الخطاب وأسباب ذكره لهذه المطالب ، فإنه صلوات الله عليه قد طرح مطلبين في طول واحد ، فلقد طرح أنه في نفسه ليس بأعلى ممن يخطىء ، ثم أعقبه مباشرة باستثناء وشرط بقوله : إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني ، فأين نفي العصمة في ذلك؟ فلقد قلنا مسبقاً : إن النفس الإنسانية مجبولة على تصارع التقوى مع الفجور ، ومتى ما تغلب عنصر التقوى على الفجور كان إمداد الله ولطفه حاضراً لتسديد الإنسان وتوجيهه ، وتفاقم غلبة هذا العنصر يؤدي إلى تفاقم الإلهي ، ومداه لا يتوقف عند العصمة فحسب ، بل يمتد إلى أعظم من ذلك ، ولم يشير أمير المؤمنين عليهالسلام في كلامه إلى غير هذا المفهوم ، وهو في ذلك يشير إلى نفس مؤدى الآية الكريمة : (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ، فمع وجود الاستثناء ينتقض السابق له ، ولقد كان ابن ابي الحديد المعتزلي أكثر انصافاً من هؤلاء حينما رأى في شرحه لهذا الكلام ان الظاهر فيه هو الاعتراف بعدم العصمة ، ولكنه أعقب قوله هذا بالقول : أو يكون قاله على سبيل هضم النفس كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ولا أنا إلاّ أن يتداركني الله برحمته. (٢)
____________________
= مجلة المنطلق بلهجة أخف وأخفى مع حذف نفس ما حذفه في مجلة الجدار ، وقد نقل عنه الأخ الحجة السيد جعفر مرتضى (حفظه الله تعالى) في ص ٢٤ ـ ٢٥ من كراسه : «لست بفوق أن أخطىء» قوله عن هذا النص بأنه يكاد يكون صريحاً على امكان وقوع الخطأ من المعصوم : ولكنه الخطأ غير المعتمد الذي لا يوجب عقوبة ، ولا بعداً عن الساحة الإلهية ، ولا يعدّ من الذنوب لا من كبيرها ولا من صغيرها. وانظر أيضاً كلام أحمد الكاتب في كتابه : تطور الفكر السياسي الشيعي ص ٧٣.
(١) يوسف : ٥٣.
(٢) شرح نهج البلاغة ١٠٧ : ١١ ـ ١٠٨ ابن أبي الحديد المعتزلي (ت ظ ٦٥٦ هـ) دار =