على إن ظاهره لا ينطوي على ما قرره ابن أبي الحديد ، فهو ظاهر من خلال وجود أداة الاستثناء ، وهي ظاهرة في تقرير ما تحدثنا عنه.
ولو قبلنا أن الكلام خال من ذلك الاستثناء ، أو أن الاستثناء ليس بتلك الصرامة الشديدة التي يخرج كل ما عداه ، وهو كلام من سنخ فرض المحال ليس بمحال! ولكن هب أنه قال إنه ليس في نفسه بفوق أن يخطىء مكتفياً بذلك فقط ، قلنا : لو كان ذلك ، فعلينا أن نتساءل عن أي خطأ يتحدث ، ولم حدد هذا الخطأ بعبارة : «في نفسي»؟ فمن المعلوم أن ما يعتبره الإنسان العادي خطأ ، ليس هو ما يعتبره من يفضله ويتفاضل عليه ، وفق قاعدة : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فتلك النفس السابحة في غمرات بحار الأنوار الملكوتية العظيمة كيف نقايس ما تعتبره خطأ مع ما نعتبره نحن بالخطأ بأنفسنا الراكسة في غمار الجهل؟! أرأيت عظيماً يقاس بمقاييس الوضيع؟! أم رأيت جباناً يستطيع تقييم شجاعة الشجعان ، فقد تجد النفوس العالية لو أنها غفلت لحظة عن ذكر الله قد تعتبر تلك الغفلة من الجرائم العظيمة التي لا يمكن أن تغتفر ، في الوقت الذي لايعتبر الإنسان العادي غفلته لدهور بالخطأ ، وليس هو فحسب ، بل إن الله سبحانه وتعالى لن يحاسبه لو أنه اكتفى بأداء الفروض الأولية لأحكام الحلال والحرام ، وسدر في غفلة بقية عمره!! أما لم حوسب يوسف عليهالسلام في مسألة تشفّعه بالملك ليطلق سراحه ولم يسأل الله ذلك؟ فهو لأن خطأ يوسف وهو السابح في غمرات الملكوت والمربى من قبل الوحي السماوي يعد عظيماً ، رغم انه لم يرتكب بذلك محرماً ، وتتحدث الروايات الواردة عن أهل البيت عليهمالسلام بأنه ما لبث في السجن إلا بسبب هذا الموقف ، (١) وهو حساب شديد لو أدرك كنهه!!
____________________
= إحياء التراث العربي.
(١) تفسير العيّاشي ١٨٨ : ٢ ـ ١٨٩ ح ٢٧ و ٢٩.