أشياء أنت بتعرفها ، والناس ما بتعرفها اغفر لي هذه الأشياء. (١)
وأيّا كان حال كلمات هذا الرجل وغيره ، فإن هذه الشبهة أوهن من سالفتها ، فبالاضافة إلى ما أشرنا من قبل في استحالة أن يرتكب المعصوم منهم (صلوات الله عليهم) ذنوباً وخطايا من سنخ الذنوب التي تقبح في عين المشرّع وذلك لطبيعة الضوابط التي تحكم النظرة إليهم ، فما كانوا ليكونوا في هذا الموقع لولا طهارتهم وذهاب الرجس عنهم ، وعلاوة على ما تحدّثنا عنه آنفاً بشأن هضم النفس في مقام التعامل مع الله تعالى ، فإن واجب المعصوم عليهالسلام لكونه هادياً لعباد الله في كل ساحات تفاعلاتهم أن يمارس دوره في توجيه الناس لواحدة من أمهات المسائل التي ترتبط بهداية الناس لتقوى الله ، وأعني بذلك كيفية التواصل مع الله سبحانه وتعالى ، وبأي لهجة يتخاطب معه ، وهي كيفية لا يمكن للإنسان العادي أن يعرفها من دون تعليم ، فتراه مرة يغوص في أعماق النفس ليكشف للمبتلي بنار فجورها أسرارها ليحذر من اغواءاتها ، وأخرى يغور فيها ليدلّ الحريص على تهذيبها وتشذيبها على مكامن التأثير ومواضع التغيير ، وثالثة يتحدّث مع الخالق ليبرز أوجه عظمته وأسرار تقديسه ، ورابعة تراه يتحدّث عن حالات أهل التقوى ، فيشخص خصائصهم ويكشف للملأ عظم نفوسهم ، وذلك بصورة لا يمكن لأحد غيره أن يتحدّث عنها ، وخامسة يهبط ويضع نفسه بين يدي ربه موضع من قارف عظيم الذنوب وجسيم الآثام ، ليدل على حقيقة هذه الذنوب والآثام من جهة ، وليكسر عتو القلوب الصدئة الغافلة عن ذكر ربها أو الآيسة من ذلك ، وذلك كله في لمسة تعبيرية بالغة الروعة اسمها الدعاء ، وهذا الأسلوب لم يميّزهم وحدهم (صلوات الله عليهم) بل تجده منتشراً كأسلوب رئيس من أساليت التربية الإلهية والنبوية للخلق ، ومراجعة الأدعية النبوية تحاكي هذا الامر تماماً.
____________________
(١) من شريط مسجل بصوته بث من قبل إذاعة محلية في لبنان نحتفظ به.